Ra'ayoyin Falsafa A Cikin Rikicin Zamani
آراء فلسفية في أزمة العصر
Nau'ikan
وإذا ما عرفنا ذلك حكمنا بأن رجال الفكر لا ينفقون أوقاتهم عبثا؛ فالظروف المحيطة بهم تحثهم على البحث في طبيعة الأزمة، وعن الوسائل التي تعزز الحياة وتغنيها بالرغم مما يحيق بنا من محن. والمختارات التي نقلناها في هذا الكتاب من أمثال هؤلاء الرجال المفكرين، ذوي العقول الفلسفية العميقة. وهم لا يرسلون الحكمة على ألسنتهم بغير هدف، ولا يكتفون بمجرد تبيان ما في الحياة من فوضى، وإنما هم بناءون منشئون إلى حد كبير، يبتغون مصلحة الناس أجمعين، ولكل منهم عقيدته التي يرى أنها تؤدي إلى العالم الأمثل، لديهم شجاعة تميزهم عن تلك النفوس الخائرة التي لا ترى أملا في المستقبل. إنهم يبذلون قصاراهم لهدايتنا إلى الطريق المستقيم؛ فنتحاشى ما يعترض سبيلنا من عقبات، وندرك حاجاتنا التي تستند إلى ماضينا فنعمل على استيفائها بنظرة عامة شاملة لا يحدها إقليم ولا تحيط بها مصلحة شخصية. وقد انتقيناهم جميعا من المعاصرين الذين اصطدموا بالمشكلة في حياتهم، وأحسوا الأزمة التي نعانيها في نفوسهم. وقد حاول كل منهم أن يجابه الموقف بفلسفة كاملة وإيمان فعال.
وقد استرشدت مؤلفة الكتاب بعدة مبادئ عند اختيارها لهؤلاء الرجال؛ فكلهم رجال ذوو سمعة ضخمة كل في ميدانه الخاص، وقد اكتسبوا هذه السمعة بالجهد الشاق والتفكير العميق. وقد لبثوا حقبة من الزمان ينعمون النظر ويرسلون الخيال في المدنية الغربية القائمة، وهم في لقاء مع المشكلات الأساسية في العالم الحديث الذي يمر بمرحلة انتقال خطيرة. ولم يكفهم أن يفكروا ويتدبروا في أبراج عاجية، بل لقد أحس كل منهم إحساسا قويا بضرورة نقل آرائهم إلى غيرهم من الناس، وضرورة العمل باعتبارهم أفرادا مسئولين في مجتمع له شكله السياسي. وقد رأوا جميعا - كل بطريقته الخاصة - أن يتجاوزوا حدود اختصاصهم، وأن يتغلبوا على مشاعرهم القومية الوطنية المحلية، محاولين بالتفكير المنطقي أن يخدموا قضية الحرية. ويمثل كل منهم رأيا فلسفيا خاصا، كما يمثل وجهة نظر سياسية معينة. وتستهدف مؤلفة الكتاب من عرض هذه الآراء المتنوعة بلوغ نظرة أشد نفاذا، وتحليلا أوفى نقدا لوجهات النظر الفلسفية الماثلة أمام عيوننا، كما تستهدف أن يدرك الناس كلهم أنهم جميعا بسبيل الكشف عن الحقيقة والبحث النزيه. وكل من اخترنا لهم من الثقات؛ لأنهم جميعا يدركون عمق الأزمة وشدتها واستحالة مواجهتها برأي قاطع دون سواه، وهم يعلمون أن العقدة لا تحل في لحظة، وأن العلاج السريع لا يمكن - غالبا - أن يكون ناجحا.
ومن ثم فقد عنيت المؤلفة عند اختيارها للمقتطفات التي أوردناها بالنظرة الخاصة للمفكر أو الفيلسوف، والزاوية الخاصة التي وجه منها الكاتب نظره إلى العلاقات الاجتماعية والخلقية بين الناس. وليس من شك في أن مجموع ما تركه لنا هؤلاء الكتاب أوفى من ذلك وأدق، ولكن هناك سببين رئيسيين دفعا المؤلفة إلى أن تحصر مختاراتها تحت العنوان الذي اختارتها لكتابها، وهو «آراء فلسفية في أزمة العصر»؛ الأول: هو تلك الرغبة القائمة في نفوس الكثيرين منا الذين يشغلون أنفسهم بالأزمة الحاضرة، والذين لا يعبئون بالتفصيلات الفنية الدقيقة لكي يكون بين أيديهم مجلد واحد. والسبب الثاني: هو تلك الحاجة العامة إلى بعد النظر ومقابلة هذا الاستهتار الذي أخذ يسود بالقيم، والحاجة إلى فلسفة بناءة نعزز بها نفوسنا ضد الميل إلى الهدم والتدمير الذي لا يستهدف شيئا. ومن أجل ذلك كانت الأوجه الفلسفية البحت فيما أخرج هؤلاء الكتاب عرضا قيما اخترناه لأنها قد تحول دون الاهتداء إلى الصراط المستقيم وسط هذه المتاهة التي يسير فيها الإنسان. وقد اقتصرنا في الإشارة إلى هذه الأوجه الفلسفية على الحد الذي ينير الرأي الذي قصدنا إلى إبرازه للقراء. وبهذا الهدف نصب أعينها غاصت مؤلفة الكتاب فيما أخرج هؤلاء الكتاب بعد الحرب العالمية الثانية، للبحث عن مقتطفات تمثل لب آرائهم وفلسفاتهم، وأخذت على نفسها أن تنتقي وترتب ما اقتبسته لكي تؤكد أنها لا تعرض إلى الآراء التي لها مساس بمشكلاتنا في نسق منطقي وفي تعبير الكتاب أنفسهم وبإيجاز لا يخل.
وتنقسم هذه المقتبسات إلى ثلاث مجموعات؛ تمثل المجموعة الأولى الكتاب ممن ليسوا فلاسفة محترفين، ولكنهم فكروا تفكيرا جديا في ميادينهم، وعند مواجهتهم للأزمة أحسوا ضرورة التجاوز عن ميادينهم الخاصة، وحملوا أنفسهم تبعة الوصول إلى حل سليم؛ فتوينبي مثلا مؤرخ، ولكنه يتخذ جميع الحضارات وجميع مخلفات الإنسان مجالا له، فنراه يقدم لنا نظرة تاريخية شاملة. وأينشتين هو أعظم علماء الطبيعة في عصرنا، وهو يقدم إلينا عرضا قويا لدور العلم في الحياة الحديثة، وهو زعيم بين العلماء للدعوة إلى بيان الخطورة السياسية التي تترتب على سوء استخدام الطبيعة النووية. وسيلون روائي متفلسف، وموضوعه أثر المجتمع الذي يخضع للآلة خضوعا تاما كما يخضع للحكم الدكتاتوري في مصير الفرد وسعادته، وقد كان إلى جانب ذلك زعيم الحركة السرية الشيوعية الإيطالية في عهد موسوليني، ثم انشق على الشيوعية الدولية، وهو يدرك جاذبية الشيوعية ومظالمها وأسباب خداعها. ثم يأتي بعد ذلك فورستر، وهو روائي متفلسف آخر، وقد صور التقاء الشرق بالغرب، وما أدى إليه هذا الالتقاء من سخرية من ناحية وروح إنسانية من ناحية أخرى، وحلل ذلك كله في مؤلفه العظيم «رحلة إلى الهند»، وهو - على خلاف في ذلك مع سيلون - ثابت على إيمانه الشديد بالفرد، ويؤمن بأن الفن فيه ما يكفي لسد حاجة الإنسان. أما ج. م. كلارك فهو أحد زعماء الاقتصاد في أمريكا، وهو يدعو في نظرياته إلى تغلغل الاقتصاد في جميع مناحي الحياة، ويدرك أن رجل الاقتصاد لا بد له من أن يتجاوز عن حدود آرائه الفنية لكي يعالج سعادة الإنسان. أما أريك فروم فهو عالم في التحليل النفساني، كانت دراسته الأولى في علم الاجتماع، وربما كان أول عالم من علماء التحليل النفساني حاول أن يجمع بين اتجاهات ثلاثة، هي: العلاج النفساني، وفلسفة القيم، والتحليل السياسي الاجتماعي.
والمجموعة الثانية من المقتطفات تتحد في طريقتها التي تستهدف بيان الدور الحيوي الذي تلعبه العقيدة الدينية في أية حضارة من الحضارات. وقد كان رائد المؤلفة عند اختيارها المقتطفات التي أوردتها في هذه المجموعة أن تعرض آراء بعض القادة في الميدان ممن يمثلون العقائد الدينية الكبرى التي تسود هذا العصر الذي نعيش فيه. وكان طبيعيا أن تركز المؤلفة اهتمامها في المذاهب المسيحية التي ترى فيها احتمال المخرج من الأزمة التي تحيق بالإنسان. ولو أنها كانت على علم بالإسلام لأدركت أن دعوته مشتقة من اسمه، فهي دعوة إلى إقرار السلام وفعل الخير، وإلى إغاثة العاجز والمسكين ...
وذكرت المؤلفة في هذا الصدد ماريتان، وربما كان أقوى الفلاسفة الكاثوليك أثرا، وهو يتجاوب مع كل الحركات التي يتميز بها عصرنا الحاضر في الفن والسياسة والفلسفة، ويرى في كل ناحية من نواحي النشاط الذهني رأيا يهدي الإنسان إلى سعادة النفس واطمئنان الضمير. ثم تعرض المؤلفة بعد ذلك لنيبور، وهو أحد زعماء الدعوة إلى البروتستنتية، وهو يتجه برأيه نحو المظالم الاجتماعية في عهدنا ونحو مهاجمة الكنيسة ذاتها. وتختتم المؤلفة هذه المجموعة برادا كرشنان الذي كان أستاذا للديانات المقارنة بجامعة أكسفورد، وهو أحد زعماء المفكرين في ميدان فلسفات الشرق، وكان سفيرا للهند لدى الاتحاد السوفيتي، وهو الآن نائب رئيس الجمهورية بالهند.
والمجموعة الثالثة هي كذلك لفلاسفة محترفين، ولكنهم يبعدون بالفلسفة عن الدين، ويرون أن الفلسفة هي ذلك النشاط الذي يحكم فيه الإنسان قوة العقل لكي يكسب الحياة معنى. وفي هذه المجموعة جان بول سارتر - وهو زعيم الوجودية في فرنسا - وقد ساق بأعماله الأدبية الوجودية إلى المسرح المعاصر وإلى صفحات الكتب الرخيصة التي تتناولها أيدي العامة من الناس. وهو رجل يجاهر بإلحاده الذي لا نقره عليه بطبيعة الحال، ولكنه يرى في هذا الإلحاد دعوة إلى التحرر. ولعل موقفه من قضية الجزائر واحتجاجه الشديد على وحشية الفرنسيين في معاملة الجزائريين يبرران حشره بين زمرة المفكرين الداعين إلى السلام بين دفتي هذا الكتاب. ولا بد لنا - برغم ذلك - من الاطلاع على آرائه بشيء كثير من التسامح، ومن تفسير إلحاده بالتحرر المطلق وبعدم الإيمان بالقدر، وله دينه ولنا ديننا.
أما برتراند رسل فهو ذلك الشيخ الوقور الذي يقف شامخا في ميدان الفلسفة الحديثة، وقد أسهم بأوفر نصيب في المنطق الحديث، وبقي بالإضافة إلى ذلك مخلصا للآراء التحررية التي نادى بها جده لورد رسل وظهرت في قوانين الإصلاح التي صدرت في عام 1832م، وكتب بإسهاب في معنى الحرية والبلشفية، وفي الآراء التقدمية في التربية، وفي الزواج والأخلاق، وفي السلطة والسعادة، كتابة قوية ذات أثر فعال، وبأسلوب ساحر شائق. أما هوك فهو فيلسوف محترف ومعلم، يستند في الآراء التي نادى بها إلى جون ديوي، وقد عمل على دفع المذهب الطبيعي والديمقراطية إلى الأمام بالتحليل المنطقي ومعالجة المشكلات الخاصة التي تتعلق بالتربية المعاصرة والمجتمع المعاصر. وربما كان ياسبرز زعيم الفلاسفة في ألمانيا في الوقت الحاضر، وقد بدأ حياته العملية طبيبا نفسانيا، وتعمق دراسة التاريخ والفلسفة والعلم الفلسفي كي يدعو إلى إنسانية جديدة ويدافع عنها.
ومن ثم يرى القارئ أن رجال الفلسفة - في هذا الكتاب الذي يضم مقتطفات مختارة لهم - الذين رسموا صورة كاملة للعالم المعاصر، قد أتيحت لهم الفرصة لكي يعرضوا مدى فهمهم للأزمة التي تلم بنا في العصر الحاضر، كل من الزاوية التي يرى أنها تلقي عليها الضوء الذي يوضحها ويبرزها للعيون. وإذا كان الفيلسوف المعاصر ألفرد نورث هوايتهد قد صدق حينما قال إن الإنسانية تمر بمرحلة فذة من مراحل تاريخها تتحول فيها نظرتها من مجال إلى مجال، وتتخلص فيها من قيود التقاليد الفكرية القديمة؛ فإن هذا الكتاب يمدنا بغذاء للفكر، وبمادة يستطيع رجال الفكر بتناولها أن يعيدوا تشكيل فلسفاتهم التي تمس الإنسان كفرد، وتمس قيم الحضارة التي نعيشها.
وكثيرا ما تتفق الآراء التي نقلناها في هذا الكتاب لبعض الفلاسفة والمفكرين فيما يتعلق بأزمة العصر الحديث، ولكنها كثيرا أيضا ما تختلف اختلافا جوهريا. بيد أن مؤلفة الكتاب تحاول في خاتمته التي أدمجناها في هذا الفصل أن تبرز من غضون ما بين الفلاسفة من أوجه الخلاف صورة الأزمة التي نعانيها، والإيمان الذي يجب علينا أن نتسلح به للتغلب عليها.
Shafi da ba'a sani ba