Ra'ayoyin Falsafa A Cikin Rikicin Zamani
آراء فلسفية في أزمة العصر
Nau'ikan
جاك ماريتان (1-1) حاجتنا في الوقت الحاضر إلى التوفيق بين العلم والحكمة
إن حلول عصر الذرة قد أظهر للعالم فجأة الجانب الخطير من هذه المشكلة. ولم يعد الإنسان يعتقد أن العلم والمهارات الفنية تستطيع وحدها أن تكفل تقدم الجنس البشري وسعادته، بل إنه ليفزع حين يرى الخراب والكوارث التي يمكن أن يسببها العلم والمهارات الفنية. ورجال العلم يراجعون أنفسهم، ولا بد لنا أن ننظر بالتقدير العميق - محاولين في إخلاص أن ندرك مدى تأثير المأساة التي تهددنا - إلى الذعر الذي ينتاب عالما نابغا مثل ألبرت أينشتين.
ولا يكفي أن نوجه نظر الشعوب إلى الكوارث المدمرة للعالم بأسره التي قد تؤدي إليها المكتشفات الحديثة في علم الطبيعة إذا ما وقع نزاع مسلح آخر؛ فإن الخوف لا يكفي لأنه يجعل الناس عقلاء، كما لا يكفي أن نقول لهم إن هذه المكتشفات عينها - إذا استخدمت في أغراض السلم - قد تفتح مجالات لم يحدث مثلها من قبل لرفاهية الجنس البشري وحريته؛ فإن الاحتمال لا يكفي لإيجاد السعادة، وإن ما نريده من الذكاء البشري هو أن يدرك أننا قد أقبلنا على عصر حاسم في تاريخنا، أقبلنا على فترة يجب - مهما كلفنا الأمر - أن تخضع للعقل فيها أدوات القوة الضخمة، التي حصلنا عليها بالسيطرة العلمية على المادة، وذلك بالتغلب على الشهوة الجامحة التي تتملك الإنسان وتدفعه إلى طريق غير طريق العقل، وبخاصة في وجوده الجماعي. ومن الضروري أيضا أن ندرك أن هناك سلطات باطنية متدرجة وعلاقات متبادلة حيوية بين فضائل النفس البشرية؛ فبينما يعالج العلم في مجاله «الوسائل»، فإن مجال «الغايات» يتعلق بشيء ليس بالعلم، ولا يطابقه، نسميه الحكمة. ولن نأمل في السلام، أو الحرية، أو الكرامة، في عالم الغد، ما دام العلم والحكمة في مؤسسات الحضارة وفي وعي الناس (بل وفي وعي العلماء أنفسهم) لا يتفقان، وما دامت تطبيقات العلم العملية لا تخضع خضوعا تاما لإرادة خلقية صحيحة وللغايات الحقيقية لحياة الإنسان. لقد انقضى عهد كنا نتوقع فيه أن يحل العلم المشكلات الخلقية والميتافيزيقية والدينية، أو أن يستغني عنها؛ حينئذ كنا نعتمد على العلماء لكي يقيموا في يوم من الأيام السلطة الروحية التي تقود البشرية نحو الأوجه اليانعة من التقدم الذي لا بد منه. أما اليوم فعلينا أن ندافع عن العلم ضد أولئك الذين يتهمونه الآن - بغير حق - بالإفلاس، بعدما طلبوا منه أكثر مما يستطيع أن يعطي، فحادوا عن جادة الحق. ونرى رجال العلم - من ناحية أخرى - مشتغلين بتحليل باطني لأنفسهم ، يتساءلون فيه عن العلاقة بين ضميرهم كرجال وبين ما يمكن أن يستخدم فيه علمهم كعلماء، ونستطيع أن نراهم وقد حاق بهم الخطر من معاملة الدول لهم كمجرد خامات صناعية لها قيمة خاصة تعزى إلى إنتاجهم الذي يخرج على صورة المكتشفات. وإذن فهي كرامة العلم ذاته وكرامة العالم التي تتعرض للخطر. ومن أجل الإبقاء على هذه الكرامة والاحتفاظ بها، ومن أجل التطبيقات المباشرة للعلم في اتجاه رفاهية العالم لا في اتجاه دماره، من أجل ذلك يجد الإنسان نفسه بحاجة إلى تجديد قوي عنيف في تنمية جانب الحكمة فيه، وبحاجة إلى إعادة إدخال الحقائق الخلقية والميتافيزيقية والدينية في ثقافته، وبحاجة إلى ذلك التوفيق بين العلم والحكمة الذي أشرت إليه فيما سبق.
1 (1-2) فشل المدنية الدنيوية
إن العملية الضخمة، عملية تحول الرجل المسيحي إلى إنسان دنيوي، قد عادت على كل ما في العالم بنتائج باهرة، إلا الإنسان نفسه؛ فقد انقلبت الأمور إلى الأسوأ فيما يتعلق بالإنسان ذاته، وليس في هذا ما يدعو إلى العجب.
إن عملية تحويل الرجل المسيحي إلى رجل دنيوي تتعلق فوق كل شيء بفكرة الإنسان وبفلسفة الحياة التي تطورت في العصر الحديث. حدث في واقع التاريخ البشري الملموس نمو في نفس الوقت الذي تمت فيه انتصارات إنسانية كبرى؛ نظرا لسير المدنية الطبيعي، وللدافع البدائي، والدافع الإنجيلي، نحو المثل الديمقراطي. وقد بقيت مدنية القرن التاسع عشر على الأقل مسيحية في مبادئها الحقيقية رغم نسيان هذه المبادئ أو إهمالها، وذلك في الآثار العلمانية لما تصوره هذه المدنية في حياة الإنسان وفي الحضارة، في الحرية الدينية التي احتفظت بها طوعا أو كرها، بالرغم من أن هذه الحرية ربما انحرفت في بعض الأحيان وفي بعض البلدان، بل وفي نفس الاهتمام بالعقل وعظمة الإنسان التي استخدمها المفكرون الأحرار سلاحا ضد المسيحية، وأخيرا في الشعور الدنيوي الذي أوحى بتقدمها الاجتماعي والسياسي، وبآمالها الكبرى، بالرغم من مذهبية خاطئة.
ولكن الشقة قد ازدادت بعدا بين السلوك الحقيقي في هذا العالم المسيحي الدنيوي وبين المبادئ الخلقية والروحية التي أكسبته معناه ومنطقه الذاتي، والتي أراد أن ينكرها؛ ومن ثم فإن هذا العالم يبدو كأنه خلو من مبادئه، وهو يميل إلى أن يصبح عالم ألفاظ - عالما اسميا - أو عجينة بغير خميرة. وهو يعيش ويحتمل العيش بالعادة وبالقوة التي اكتسبها من الماضي لا بقوته الذاتية، ويندفع بقوة عكسية لا بقوة باطنية متحركة. وهو عالم نفعي، قاعدته العليا هي المنفعة، ولكن المنفعة - وهي ليست وسيلة نحو هدف - ليس من ورائها جدوى. وهو عالم رأسمالي بمعنى هذه الكلمة في القرن التاسع عشر (وهو المعنى الحقيقي قبل أن يحرف). وقد مكنت المدنية الرأسمالية القوى الابتكارية لدى الفرد من تحقيق انتصارات ضخمة على الطبيعة المادية. غير أن إنسان هذا العصر - كما لاحظ ورنر سمبارت - لا يستهدف جواهر الأمور، ولا يشعر بالمحبة؛ أي إنه فقد الإحساس ب «الوجود»؛ لأنه عاش في الرموز وبالرموز، كما فقد الإحساس ب «المحبة» لأنه لم يستمتع بحياة الفرد الذي يعيش مع غيره من الأفراد، ولكنه جاهد جهادا شاقا في سبيل الثراء من أجل الثراء.
وبالرغم من المذهبية الخاطئة التي وضعت، والصورة المشوهة للإنسان التي ترتبط بها، فإن حضارتنا تحمل في صلب مادتها الميراث المقدس للقيم الإنسانية والسماوية الذي يعتمد على نضال أسلافنا في سبيل الحرية، وعلى أساس التقاليد اليهودية المسيحية، وعلى القديم الكلاسيكي؛ تلك القيم التي هبطت في كفايتها بدرجة مؤلمة، ولكنها لم تتقوض البتة في مضمونها الكامن.
وأشد الظواهر إزعاجا في الأزمة الحاضرة هو أننا - برغم اشتغالنا بنضال مميت في سبيل الدفاع عن هذه القيم - كثيرا ما نفقد الإيمان والثقة في المبادئ التي يقوم على أساسها ما ندافع عنه؛ وذلك لأننا نسينا في أكثر الأحيان المبادئ الصادقة المعتمدة، ولأننا في الوقت ذاته نشعر - ونحن واعون إلى حد كبير - بضعف الآراء السطحية التي تفترس هذه المبادئ افتراسا كالطفيليات التي تعلق بالأجسام.
2 (1-3) صورة الحضارة المسيحية الجديدة
Shafi da ba'a sani ba