Ra'ayoyin Falsafa A Cikin Rikicin Zamani
آراء فلسفية في أزمة العصر
Nau'ikan
كان لظهور الكتاب الرائع الذي أخرجه إريك فروم تحت عنوان «الفرار من الحرية» في عام 1941م، أثر قوي في اجتذاب انتباه جمهور القراء في أمريكا إلى أهمية ما قام به إريك فروم من تعديل في التحليل النفسي الذي دعا إليه فرويد. قدم لنا فروم دراسة أصيلة عميقة للأسباب النفسية والاجتماعية التي سمحت للحكم الدكتاتوري المستبد أن ينمو في العالم الحديث. أراد فروم أن ينبذ نظرية فرويد التي تقرر أن الإنسان مخلوق غير اجتماعي في صميمه، يخضع لدوافع بيولوجية ثابتة، على المجتمع أن يروضها ويوقفها عند حد، أراد فروم ذلك فصاغ نظرية ديناميكية عن الإنسان الذي له حاجات فسيولوجية دون شك، غير أن له أيضا حاجات لا تقل عن ذلك ضرورة يبغي من ورائها أن يحقق ارتباطا قويا بينه وبين العالم وبينه وبين نفسه.
ونظرية فروم هي أن الحرية التي نلناها أخيرا، والتي نجمت عن نمو قوى عديدة من الضمير الفردي والسيطرة الخارجية، منذ النهضة الأوروبية، هذه الحرية يصاحبها إحساس متزايد بالعشوائية والوحشة والعزلة. والمعضلة التي برزت في الثقافة الغربية الحديثة هي أن الحرية للفرد الفذ المسئول نسبيا قد باتت عبئا عليه و«التحرر من» الصور القديمة للسيطرة، هذا النوع من التحرر السلبي لم يتطور إلى «التحرر نحو» حياة منتجة يحقق فيها صاحبه ذاتيته. والبحث الذي قام به فروم في الوسائل المعروفة التي يحاول بها أقل المحدثين نجاحا أن «يفر من الحرية» لم يلق ضوءا جديدا على حكم الاستبداد والمتحمسين له فحسب، بل ألقى كذلك ضوءا على المشكلات الكبرى التي يجب أن تفهم وتذلل إذا أردنا لحرية الإنسان البقاء.
للدكتور فروم أهمية خاصة لقيامه بتحليل الإنسان بالمعنى الاجتماعي، وهو بالإضافة إلى ذلك أحد العلماء القلائل الصادقين، وهب القدرة على ترجمة الآراء المتعلقة بالعلاج النفسي إلى لغة يستطيع القارئ العادي أن يفهمها، بل إنه ليستمتع بها في أكثر الأحيان. ويسمح له اتساع اهتماماته ومدى تدريبه السابق أن يخضع لتحليله عمق المعرفة الفلسفية، والإدراك التاريخي، والنظر الأدبي والفني. وكتاب «الإنسان لنفسه» الذي ظهر في عام 1947م يكون حلقة ثانية إيجابية إنشائية من السلسلة التي بدأها بكتابه «الفرار من الحرية». ومن دراساته الأخرى التي تبعث على التفكير، ولكنها ربما تكون أقل من هذه بقاء، كتابه «التحليل النفسي والديني» الذي نشره في عام 1950م، وكتابه «اللغة المنسية» الذي نشره في عام 1951م، وهو دراسة ممتعة عن الأحلام والقصص الخرافية والأساطير. وأحدث كتاب له الذي نشره تحت عنوان «المجتمع السليم».
1
ولد إريك فروم بفرانكفورت في ألمانيا عام 1900م، ودرس علوم الاجتماع والنفس في جامعات هيدلبرج وفرانكفورت وميونخ، ونال درجة الدكتوراه من هيدلبرج في عام 1922م، وتلقى تدريبه الرسمي في تحليل النفس عند تطبيق هذا التحليل على الثقافة والمجتمع. وقد جاء الدكتور فروم إلى أمريكا أستاذا زائرا بمعهد شيكاغو لتحليل النفس في عام 1933م، وأنفق السنوات الثلاث التالية في القيام بالبحث في معهد البحوث الاشتراكية الدولي، بجامعة كولومبيا. وفي عام 1940م أصبح مواطنا أمريكيا بالتجنس. ومنذ ذلك الحين ارتبط ارتباطا وثيقا بمعهد العلاج النفساني في واشنطن (الذي أسسه هاري ستاك سليفان)، وهو زميل في أكاديمية العلوم بنيويورك، وحاضر في جامعة كولومبيا وفي كلية بننجتن. ومنذ عام 1952م أصبح أستاذا في الجامعة الوطنية بالمكسيك.
وكما أن فروم قد طبق أحدث وسائل البحث العلمية الاجتماعية على الكشف عن صفة الإنسان ومجموعة قيمه الخلقية الأساسية، فقد أتقن نوعا من المزاوجة بين تحقيق الذات الأرسطي والإنسانية العملية. ومن الناحية الشخصية أكد طبيعة الحلول المنتجة لمشكلة انعزال الإنسان - مثل العمل الخلاق، والضمير الإنساني الذي يعارض التسلط، والشجاعة، والمحبة، والكبرياء، والأمل في قدرة الإنسان على أن يأخذ نفسه وحياته وسعادته مأخذ الجد. وفي دراسة موجزة حديثة تحت عنوان «فن الحب»، أعلن إريك فروم «أن الحب هو الحل السليم المرضي الوحيد لمشكلة الوجود الإنساني». ويمكن أن نقدر قيمة هذا الحل الشخصي، والتعقيد الذي نلاقيه عند تحقيقه، إذا عرفنا أن إريك فروم يقترن الآن بالزوجة الثالثة. (1) الإنسان لنفسه
إريك فروم (1-1) المشكلة
تميزت الثقافة الغربية في القرون القلائل الأخيرة بروح المباهاة والتفاؤل؛ فهي تباهي بالعقل باعتباره أداة الإنسان لإدراكه الطبيعة وسيطرته عليها. وتتفاءل بتحقيق أعز آمال البشرية، وتوفير أكبر قسط من السعادة لأكبر عدد من الناس.
وقد برر الإنسان لنفسه ما يباهي به؛ فبفضل العلم بنى عالما ماديا يفوق في الواقع حتى الأحلام والرؤى في القصص الخيالية والمدن الفاضلة. إنه يستغل طاقات الطبيعة التي سوف تمكن الجنس البشري من توفير الظروف المادية اللازمة لوجود كريم منتج. وبالرغم من أن الإنسان لم يحقق بعد كثيرا من أهدافه إلا أننا لا نكاد نشك في أن هذه الأهداف ممكنة التحقيق، وأن «مشكلة الإنتاج» التي كانت مشكلة الماضي قد حلت من حيث المبدأ. والآن يستطيع الإنسان لأول مرة في التاريخ أن يدرك أن فكرة وحدة الجنس البشري وإخضاع الطبيعة لسيطرة الإنسان ولمصلحته لم تعد حلما، بل هي من الأمور الممكنة الواقعية. أليس الإنسان إذن على حق في مباهاته وفي ثقته بنفسه وبمستقبل الجنس البشري؟
غير أن الإنسان الحديث - برغم هذا - يشعر بالقلق والحيرة المتزايدة. إنه يعمل ويجاهد، ولكنه يدرك إدراكا غامضا عبث ما يبذل من نشاط. وبينما تنمو سيطرته على المادة، نجد أنه يحس العجز في حياته الفردية وفي المجتمع. وبينما نراه يبتدع «وسائل» يسيطر بها على الطبيعة، نجده واقعا في حبائل تلك الوسائل وقد فقد إدراك الغاية التي تعطيها - وحدها - أهميتها، وتلك الغاية هي: أن الإنسان لنفسه. فبينما أمسى الإنسان سيدا على الطبيعة، بات عبدا للآلة التي صنعها بيده. وبرغم كل ما عرف عن المادة، فهو على جهل فيما يتعلق بالمشكلات الهامة الأساسية الخاصة بالوجود البشري: ما الإنسان؟ وكيف ينبغي له أن يعيش؟ وكيف يمكن إطلاق الطاقات الجبارة الكامنة فيه واستخدامها استخداما منتجا؟
Shafi da ba'a sani ba