Ra'ayoyin Falsafa A Cikin Rikicin Zamani
آراء فلسفية في أزمة العصر
Nau'ikan
إن المرء في ردود أفعاله لا يكيف هذه الردود تماما طبقا لحاجات المواقف المختلفة، فتتخبط أو تنحاز انحيازا منحرفا. وينطبق هذا الحكم على كل أمر من الأمور، من أبسط الغرائز إلى «أرقى» الأعمال، في صورة المجردات الخلقية أو قواعد السلوك ذات الصبغة المعينة، أو المذاهب الدينية التي وصفها تسن بأنها «الأضواء المنكسرة». والمذاهب لا تفسح مجالا كافيا للدرجات المتفاوتة والأنواع المختلفة من الأحكام الشاملة الكونية التي تصدر عن البديهة، كما أن قواعد السلوك لا تقابل التنوع الذي لا حد له من الشخصيات البشرية والمواقف الإنسانية. وكذلك نجد أن القاعدة التقليدية ل «الفضائل الاقتصادية» التي آمنا بها قد أخذت تتحول، وهي بحاجة إلى موازنة جديدة بين المصلحة الذاتية ومسئولية الجماعة، كما أنها تجاهلت حاجات الإنسان باعتباره حيوانا اجتماعيا، وينبغي أن تفسح لها المجال. إننا لم نبن قط «مجتمعا عظيما» على أساس مشترك من الحرية والأخلاق الاجتماعية التقدمية. وهذا الواجب الذي لم يسبقنا إليه أحد هو الذي يواجهنا اليوم.
إن حياتنا الاقتصادية وتفكيرنا الاقتصادي قد أكدا مقدار ما نسد من حاجات، ومقدار الأنواع التي يمكن أن تنزل إلى السوق، دون الإشارة إلى نوع هذه الحاجات التي نسدها أو التي نستنكرها. إن حياتنا الاقتصادية وتفكيرنا الاقتصادي قد اهتما بالقدرة على تحقيق الأهداف دون الإشارة إلى الأغراض البشرية التي من أجلها تستغل هذه القدرة. وقد أمست القدرة بغير هدف اجتماعي وثنا يقود حضارتنا إلى حافة الفوضى والخراب. وكلنا يدرك اليوم أن هتلر قد استطاع أن يملأ هذا الفراغ إلى حد كبير؛ لأنه قدم لشعبه هدفا معينا. ولسنا بحاجة إلى مثل هذا الهدف، ولا إلى أي هدف جماعي يسود ويسيطر، اللهم إلا حينما يكون المجتمع مهددا بالخطر. ولكنا بحاجة إلى إدراك جماعي لأهداف المجتمع التي تدفع دفعا واعيا إلى الأمام حاجات هذا المجتمع وأهدافه. ⋆
لماذا تحتاج الدولة إلى مجتمع منظم من خلفها، دولة يقابل تكوينها تكوين هذا المجتمع؟ إنها بحاجة إلى ذلك لأنها بدونه لا تجد لها سبيلا آخر غير الإرغام والفوضى. وإذا كان المجتمع متماسكا تماسكا شديدا، استطاع أن يوجه الدولة إلى أداء أمور مختلفة تحسن الدولة أداءها، ولا تلجأ إلى الإرغام إلا لكي تحد من نشاط الأقليات التي لا تتجاوب. أما إذا كانت في المجتمع «حالة طبيعية» تكاد تكون حالة من حالات الحرب، فالدولة إذن إما أن تخفق في حفظ نظام محتمل، وإما أن تقوم به على حساب الإرغام الشامل الذي لا يميز، والحرية الشخصية في كلتا الطريقتين مفقودة.
والجماعات الاقتصادية التي ننتظم فيها اليوم تقترب جدا من هذا الوضع؛ فهي تقرب طريق الإرغام والفوضى بحيث لا تتوافر لنا راحة أو أمن. وهذه الجماعات من الضخامة بمكان، شديدة التعقيد، تعي أهدافها وعيا تاما وتعقلها تماما، وهي لذلك لا تستطيع أن تنظم نفسها في مجتمع من النوع «الطبيعي» الذي يحدثنا عنه علماء الأنثروبولوجيا، والذي كان يوجد - مثلا - في جزر البحر الجنوبي قبل أن تغمرها حضارة الجنس الأبيض. وتنظيم هذه الجماعات المتقاتلة يجب أن يتم بذلك النوع المقصود من العمل الذي يرتبط بنظرية «العقد الاجتماعي». والظاهر أننا في دور من أدوار التطور البشري الذي يمكن أن تطبق فيه صورة من صور نظرية «العقد الاجتماعي» لأول مرة على نطاق «المجتمع الكبير». ولا يكون ذلك شاملا لعملية تنظيم المجتمع كلها؛ إذ لا بد أن يكون هناك شعور باطني برباط مشترك - هو على الأقل الخطر من أن يهلك بعضنا بعضا - وذلك لكي نضع أساسا للاعتراف بالحقوق والمسئوليات المتبادلة. وهنا نعود إلى موضوعنا الرئيسي.
إن ذلك يقتضي المغامرة في إعادة البناء، وهي مغامرة لا تكفل لها النتائج السعيدة. إن العالم في براثن نضال جسيم، في أحد جانبيه قوى تدفع نحو الفوضى والاضطراب، قوى سياسية واجتماعية واقتصادية وخلقية، وفي الجانب الآخر قوى تسير نحو السيطرة المركزية، وبين هذه وتلك يقف أولئك الرجال وتلك القوى التي تحاول في استماتة أن تستخلص قاعدة علمية لمجتمع إنساني منظم، يمكن أن يحتفظ بدرجة فعالة من الحرية والديمقراطية، وذلك دون تحطيم المجتمع بممارستهما ممارسة فوضوية وبالغلو فيها غلوا هداما. وليس هناك معنى في أن نطالب - في عالم الطاقة الذرية - بقيام عالم آمن تسوده الحرية والديمقراطية.؛ فقد حكم على المجتمع أن يعيش عيشة خطرة، وليس منا من يشك في ذلك. وفرصتنا في الكفاح تتوقف على تنمية قدرتنا على التفكير والعمل الحر البناء، برغم سيف داموكليز المصلت فوق رءوسنا.
المصادر ⋆
كل هذه المختارات منتقاة من محاضرات ج. م. كلارك التي نشرت تحت عنوان «ماذا نستبدل بالعبودية؟»
الفصل السادس
إريك فروم
(1900م-...)
Shafi da ba'a sani ba