Ra'ayoyin Falsafa A Cikin Rikicin Zamani
آراء فلسفية في أزمة العصر
Nau'ikan
إن عامة الناس تستطيع أن تتابع دقائق البحث العلمي إلى درجة محدودة فقط، ولكنها تستطيع على الأقل أن تحقق ربحا واحدا هاما عظيما، وذلك هو الإيمان بأن الفكر الإنساني موثوق به، وبأن قانون الطبيعة قانون عالمي.
5 (1-4) العلم والدين
ليس من العسير أن نتفق على ما نفهمه من العلم. العلم محاولة قديمة من الإنسان لكي يضم الظواهر المحسوسة في هذه الدنيا - بالتفكير التركيبي - في ائتلاف شامل بقدر الإمكان. وبتعبير جريء أستطيع أن أقول إن العلم هو محاولة إعادة بناء الوجود بعد خلقه عن طريق التصور. أما إن سألت نفسي: وما الدين؟ ما استطعت أن أجد الجواب بهذه السهولة. وحتى إن وجدت جوابا يشفيني في هذه اللحظة، أظل واثقا بأنني لن أستطيع - تحت أي ظرف من الظروف - أن أوفق - ولو إلى درجة ضئيلة - بين كل أولئك الذين أولوا هذا الموضوع اهتماما جديا.
وإذن فأنا أوثر أولا أن أستبدل بسؤالي: ما هو الدين؟ أن أسأل عما تتميز به آمال الشخص الذي أتصور فيه التدين. إن الشخص المستنير من الناحية الدينية يبدو لي كأنه رجل حرر نفسه - على قدر استطاعته - من قيود رغباته الذاتية، وشغل نفسه بالأفكار والمشاعر والآمال، التي يتعلق بها لقيمتها التي تسمو على ذاته. ويبدو لي أن المهم هو قوة هذا المضمون الذي يسمو على الذات، وعمق الاعتقاد في مغزاه البعيد المتسلط على الأذهان، بغض النظر عن محاولة التوحيد بين هذا المغزى وبين كائن مقدس، وإلا ما استطعنا أن نحشر بوذا واسبينوزا بين الشخصيات المتدينة. وبناء على ذلك فإن الرجل المتدين هو كذلك لأنه لا يخالجه شك في دلالة هذه الأغراض وتلك الأهداف التي تسمو على الذات وفي ارتفاع شأنها. وهي أهداف لا تتطلب ولا تحتمل أساسا من العقل، إنها موجودة كأمر ضروري واقعي ضرورة من يعتقد فيها وواقعيته. والدين بهذا المعنى هو محاولة قديمة من الإنسان لكي يعي هذه القيم وهذه الأهداف وعيا كليا واضحا، ولكي يعزز وينشر آثارها على الدوام. فإذا ما تصورنا الدين والعلم طبقا لهذا التعريف أصبح الخلاف بينهما أمرا مستحيلا؛ لأن العلم إنما يحقق فيما هو كائن، لا فيما ينبغي أن يكون، وتبقى القيم بجميع أنواعها من الضرورات التي لا تدخل في نطاقه. أما الدين فلا يتعرض إلا إلى تقويم الفكر الإنساني والأعمال الإنسانية. إنه لا يجد مسوغا لكي يبحث في الحقائق وفيما بينها من علاقات.
وبالرغم من انفصال مجال الدين عن جمال العلم في ميدان البحث انفصالا واضحا، فإنه تقوم بينهما علاقات متبادلة قوية، ويرتكز أحدهما على الآخر في بعض نواحيه. فالدين قد يكون ذلك الذي يحدد الهدف، إلا أنه يأخذ عن العلم - بأوسع معانيه - الوسائل التي تعين على تحقيق الأهداف التي يرسمها لنفسه. ولكن العلم لا يخترعه إلا أولئك المتشبعون تماما بحب الحق والإدراك السليم. وهذا المصدر من مصادر الشعور ينبع من ميدان الدين. ويتصل بهذا الميدان أيضا الإيمان بأنه من الممكن أن تكون القواعد التي تنطبق على عالم الوجود معقولة؛ أي يمكن إدراكها بالعقل. ولا أستطيع أن أتصور عالما حقا بغير هذا الإيمان العميق. ويمكن التعبير عن هذا الرأي بهذه الصورة: العلم بغير دين أعرج، والدين بغير علم أعمى.
ذكرت من قبل أنه لا يمكن أن يقوم حقا صراع مشروع بين العلم والدين. غير أنه ينبغي لي أن ألقي ضوءا على هذا الذي ذكرته مرة أخرى في نقطة هامة، ومع الإشارة إلى المضمون الفعلي للديانات التاريخية. ويتناول الموضوع الذي أريد أن أوضحه فكرة «الإله». حدث في أثناء الفترة الأولى من التطور الروحي للبشر أن ابتدع الإنسان من خياله آلهة على صورة البشر. وكان المفروض في هؤلاء الآلهة أن يقرروا بفعل إرادتهم كل ما يجري بعالم الظواهر، أو على الأقل أن يطبعوه بما لهم من تأثير. وكان الإنسان يسعى أن يحور من ميول هؤلاء الآلهة حتى تتجه إلى ما فيه مصلحته بالسحر والصلاة. غير أن الفكرة عن الإله في الديانات التي نتعلمها اليوم تسمو بهذه الصورة القديمة عن الآلهة. وتتضح الصفات الإنسانية التي ننسبها إلى آلهة العصر الحاضر - على سبيل المثال - بالابتهال إلى «الكائن المقدس» في الصلوات، وبالتوجه إليه بالدعاء لكي يحقق أغراضنا.
ولا شك أن أحدا لا ينكر أن فكرة وجود إله قادر على كل شيء، عادل، عميم الخير، يمكن أن تعطي الإنسان الطمأنينة والمعونة والرشد. وهذه الفكرة أيضا - بفضل بساطتها - ميسورة لأشد العقول سذاجة. غير أن هذه الفكرة - من ناحية أخرى - فيها بعض مواطن الضعف الأكيدة، وقد أحس الإنسان بهذا الضعف إحساسا قويا منذ بداية التاريخ. فإذا كان هذا الكائن قادرا على كل شيء، فكل حدث - بما في ذلك كل عمل بشري، وكل فكرة إنسانية، وكل شعور إنساني، وكل أمل - هو من صنعه. فكيف يمكن أن نحمل الناس تبعة أعمالهم وأفكارهم إزاء مثل هذا «الكائن» القدير؟ فهو في عقابه ومثوبته إنما يحكم - إلى حد ما - على نفسه. فكيف يمكن أن يتفق ذلك مع ما نعزوه إليه من خير وعدل.
إن مصدر الصراع القائم اليوم بين مجال الدين ومجال العلم ينحصر في هذه الصورة الشخصية عن الإله. ومن هدف العلم أن يضع قواعد عامة تحدد العلاقة المتبادلة بين الأشياء والأحداث في الزمان والمكان. وصدق هذه القواعد أو هذه القوانين الطبيعية، عامة، مطلوب قطعا - ولا تكفي البرهنة عليه. إنه منهاج في أساسه، والاعتقاد في إمكان تحقيقه نظريا إنما يقوم على أساس تكرار نجاحه جزئيا. ومن العسير أن تجد شخصا ينكر هذا النجاح الجزئي ويعزو إلى خداع الإنسان لنفسه. وعلى أساس هذه القوانين نستطيع أن نتنبأ بسلوك الظواهر الطبيعية في وقت ما، وفي مجالات معينة بدقة بالغة ووثوق شديد. وهذه الحقيقة تستقر في أعماق الوعي لدى إنسان العصر الحاضر، حتى إن كان ما يدركه من مضمون هذه القوانين ضئيلا محدودا.
وكلما ازداد إيمان المرء بخضوع جميع الأحداث لقواعد منظمة اشتد إيمانه بأنه لا يوجد إلى جانب هذه القواعد المنظمة مجال لأسباب ودوافع من نوع آخر. وهو لا يرى وجودا لإرادة بشرية أو إرادة سماوية كسبب مستقل في أحداث الطبيعة. ولسنا ننكر أن العقيدة في تدخل الإله في مجرى الحوادث الطبيعية لا يمكن للعلم أن ينبذها - بمعنى أن يتجاهلها تماما - لأن هذه العقيدة يمكن دائما أن تجد ملاذا في تلك الميادين التي لم تستطع المعرفة العلمية بعد أن تغزوها.
غير أني أميل إلى الاعتقاد بأن مثل هذا السلوك من جانب رجال الدين عديم القيمة، بل قاتل مميت؛ لأن العقيدة التي تقوى على البقاء في الظلام، ولا تقوى عليه في وضح الضياء، لا بد أن تفقد تأثيرها في الناس، وتعود على التقدم البشري بالأذى البالغ. لا بد لعلماء الدين - خلال نضالهم في سبيل الخير الخلقي - أن يتخلوا عن مبدأ العقيدة في إله له صفة الأشخاص؛ أي لا بد لهم أن يتخلوا عن ذلك المصدر من مصادر الخوف والأمل، الذي وضع في الماضي قوة كبرى في أيدي رجال الدين. لا بد لهم في أثناء جهادهم من استغلال تلك القوى التي بوسعها أن تخلق الخير والحق والجمال في البشرية ذاتها. ولا شك أن هذا عمل أكبر مشقة، ولكنه أكبر قيمة بدرجة لا تقارن. وبعدما يقوم علماء الدين بواجب التهذيب الذي أشرت إليه، فلا ريب أنهم سوف يدركون ببالغ السرور أن الدين الحق قد اكتسب من المعرفة العلمية نبلا وازداد فيها عمقا.
Shafi da ba'a sani ba