فمثال ذلك في حياته: ما أخرجه الشيخان عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ، إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ، فَقَالَ: "إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الكَعْبَةِ". (١)
قال الحافظ ابن حجر: "فيه قبول خبر الواحد ووجوب العمل به ونسخ ما تقرر بطريق العلم به". (٢)
ومثال تطبيقهم لتلك القواعد بعد وفاته: ما قَالَه ابْنُ عَبَّاسٍ: "إِنَّا كُنَّا مَرَّةً إِذَا سَمِعْنَا رَجُلًا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، ابْتَدَرَتْهُ أَبْصَارُنَا، وَأَصْغَيْنَا إِلَيْهِ بِآذَانِنَا، فَلَمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعْبَ، وَالذَّلُولَ، لَمْ نَأْخُذْ مِنَ النَّاسِ إِلَّا مَا نَعْرِفُ". (٣)
قال أبو العباس القرطبي: " قوله: (لَمْ نَأْخُذْ مِنَ النَّاسِ إِلَّا مَا نَعْرِفُ) أي: ما نعرف ثقة نقلته وصحة مخرجه". (٤)
وعلى مثل سير الصحابة سار التابعون لهم بإحسان، فطبقوا قواعد الحديث على روايات أهل البدع كما قال ابن سيرين (توفي ١١٠ هـ): "لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الْإِسْنَادِ، فَلَمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ، قَالُوا: سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُمْ، فَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فَيُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ، وَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ الْبِدَعِ فَلَا يُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ". (٥)
أي: لم يكن التابعون يسألون عن الإسناد حتى وقعت فتنة مقتل عثمان أو فتنة الخوارج. (٦)
واستمر الأمر على تناقل تلك القواعد شفويًا عشرات السنين، ثم بدأت مرحلة تدوين بعض مسائل المصطلح مفرقة في بعض التصانيف، وأول من دونها -فيما يُعلم- الإمام محمد بن إدريس الشافعي في كتابه "الرسالة". (٧)
فتعرض لجملة مسائل هامة مما يتصل بعلم الحديث، كذكر خبر الآحاد والإحتجاج به (٨)، والناسخ والمنسوخ (٩) وشرط حفظ الراوي، والرواية بالمعنى (١٠)، وقبول خبر المدلِّس (١١)، وتكلم عن الحديث المرسل (١٢).
_________
(١) أخرجه البخاري في كتاب: الصلاة، باب: باب ما جاء في القبلة، ومن لم ير الإعادة على من سها، فصلى إلى غير القبلة، حديث: ٤٠٣. وأخرجه مسلم في كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة، حديث: ١١٧٨.
(٢) فتح الباري ١/ ١٢٩
(٣) أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه ص ٦٥
(٤) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، لأبي العباس أحمد بن عمر القرطبي (ت ٦٥٦ هـ) حققه مجموعة من المحققين، مدشق- بيروت، دار ابن كثير، الطبعة الرابعة ١٤٢٩ - ٢٠٠٨ (١/ ١٢٥)
(٥) أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه ص ٦٦
(٦) انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ١/ ١٢٢
(٧) انظر: علم الرجال نشأته وتطوره، لمحمد بن مطر الزهراني، الرياض، دار المنهاج، الطبعة الأولى ١٤٢٧، ص ٧
وانظر: معجم المصطلحات الحديثية، لسيد عبد الماجد الغَوْري، دمشق-بيروت، دار ابن كثير، الطبعة الأولى ١٤٢٨ - ٢٠٠٧ ص ١٣.
(٨) انظر: الرسالة، لأبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي (ت ٢٠٤ هـ)، اعتنى بها: الدكتور ناجي السويد، بيروت، المكتبة العصرية، الطبعة الأولى ٢٠١٠ - ١٤٣١، ص ٦٣
(٩) انظر: الرسالة ص ٩٥
(١٠) انظر: الرسالة ص ١٥٣
(١١) انظر: الرسالة ص ١٥٦
(١٢) انظر: الرسالة ص ١٨٥
1 / 11