توفي بوبي، فقد تحطمت ضلوعه، وثقبت إحدى رئتيه. وكان اللغز الرئيسي الذي حير الأطباء هو لماذا لم يمت فور الحادث، فقد مات قبل حلول منتصف الليل.
بعد ذلك بفترة طويلة، حكى تيد لفرانسيس ما حدث، ليس فقط عن صورة الملكة السخيفة، ولكن أيضا عن الوجبة التي تناولاها في الكافيتيريا، وعن أفكاره حول الاتصال بها، ولماذا لم يتصل، وكذلك أفكاره عن المقايضات. أخبرها بكل شيء، ولكنه لم يخبرها من باب الاعتراف، وإنما من باب التشويق، لتوضيح الطريقة التي يمكن أن ينتكس بها أكثر الأذهان عقلانية بل وينهار. ولكنه لم يتخيل أن ما أخبرها به قد يكون مثيرا للغضب عندما اتخذ هو - في نهاية المطاف - قرارا في صالحها. •••
في تلك الليلة، ليلة الحادث، انتظرت فرانسيس بضع لحظات وحدها في غرفة الإمدادات، في كامل ثيابها ومعطفها، أزرارها مغلقة، ومنتعلة حذاءها، ولم تفكر في أي شيء. أخذت تحدق في الهيكلين العظميين، حيث بدا الهيكل البشري أصغر من الحجم الطبيعي للإنسان، في حين بدا هيكل القط أكبر وأطول من الحجم الطبيعي للقط.
ثم خرجت من المدرسة دون أن تقابل أحدا، واستقلت سيارتها. ولكن لماذا أخذت معطفها وحذاءها من غرفة الثياب لكي تبدو كأنها عائدة إلى بيتها، في حين أن أي أحد بوسعه رؤية سيارتها وهي لم تزل موجودة هناك؟
كانت فرانسيس تملك سيارة قديمة، بلايموث موديل عام 1936. وبعدما رحلت من المدينة، علقت صورة في أذهان العديد من الأشخاص لفرانسيس وهي جالسة خلف مقود سيارتها المتوقفة، تجرب شيئا وراء الآخر لجعلها تتحرك (وهي متأخرة بالفعل عن الذهاب إلى مكان ما) بينما تصدر السيارة صوتا مزعجا متقطعا رافضة السير. أو - كحالها الآن - وهي تفتح نافذة السيارة، وتخرج رأسها المكشوفة تحت الثلج المتساقط، وتحاول إخراج إطارات السيارة المغروسة في الثلج المتراكم وهي تدور، وتحمل على وجهها تعبيرا يوحي بأنها لم تتوقع من هذه السيارة أن تفعل أي شيء سوى أن يتوقف محركها وتربكها، ولكنها ستقاوم تعطلها حتى آخر نفس لديها.
أخرجت السيارة بالفعل أخيرا من الثلوج، وقادتها أسفل التل نحو الشارع الرئيسي. لم تعرف ما حدث لبوبي، وما نوع الحادث الذي تعرض له، ولم تسمع ما قيل بعد أن تركها تيد. وفي الشارع الرئيسي كانت المتاجر مضاءة بشكل يبعث على الدفء، وكان هناك خيول وسيارات بطول الشارع (ففي هذا الوقت لم تكن طرقات المنطقة ممهدة)، وكلاهما حجب الهواء النقي بالأنفاس والعادم اللذين ينفسان عما يعتمل في داخلهما. بدا لها في تلك اللحظات أنه كان هناك أناس أكثر من المعتاد متجمهرين يتحدثون، أو لا يتحدثون، ليس لديهم استعداد للتفرق، خرج بعض أصحاب المتاجر ووقفوا هناك أيضا، دون معاطفهم، في الثلج، وبدت ناصية مكتب البريد مغلقة، وكان هذا هو الاتجاه الذي ينظر نحوه الناس.
صفت السيارة خلف متجر الإلكترونيات، وصعدت مسرعة السلالم الخارجية الطويلة التي جرفت عنها الثلج والجليد هذا الصباح، والتي ستكرر جرفها لاحقا تارة أخرى لتجمع المزيد من الجليد عليها. حينها شعرت كأنها تفر إلى مخبأ، ولكنها لم تفعل؛ إذ كانت أديليد موجودة. «فرانسيس؟ أهذه أنت؟»
خلعت فرانسيس معطفها في الردهة الخلفية للمنزل ، وتأكدت أن أزرار بلوزتها مغلقة، ووضعت حذاءها على الدواسة المطاطية. «كنت أخبر الجدة لتوي، فإنها لم تعرف أي شيء عن الأمر، ولم تسمع سيارة الإسعاف.»
كانت هناك سلة بها ملابس نظيفة على منضدة المطبخ، وفوقها كيس وسادة قديم لمنع تسرب الثلج إلى الملابس. دخلت فرانسيس المطبخ مستعدة لقطع حديث أديليد، ولكنها عرفت أنها لن تستطيع عندما رأت سلة الملابس. ففي الأوقات التي تكون خلالها فرانسيس أكثر انشغالا، قرب الكريسماس أو حفل الربيع، كانت أديليد تأتي وتأخذ ملابسها هي وأمها لتغسلها في بيتها، وتعود بجميع الملابس بعد كيها بالطريقة العادية أو برذاذ النشا؛ وكانت تستخدم أيضا مساحيق التبييض لجعل الملابس البيضاء أكثر بياضا. وكانت أديليد أما لأربعة أبناء، ولكنها دائما ما كانت تساعد الآخرين، فتخبز وتتسوق من أجلهم، وتعتني بأبنائهم، وتعرف أسرار البيوت المقفلة على مشكلاتها. كرم محض. ابتزاز محض.
قالت أديليد وهي تلتفت إلى فرانسيس: «كانت سيارة فريد بيتشر ملطخة بالدماء. كان صندوق سيارته مفتوحا، وكان يحمل فيه عربة الأطفال لينقلها إلى منزل أخت زوجته، وصندوق سيارته كان ملطخا بالكثير من الدماء. كان ملطخا بالكثير من الدماء.»
Shafi da ba'a sani ba