قالت مارجوري: «وهو ما لا تفعلينه في شبابك!»
قدم لي كثيرون النصح أنا ومورجي. نصحونا أن نستمتع بحياتنا ما دمنا نستطيع ذلك، وأن نبقى بعيدا عن المشاكل. قالوا إنهم جميعا مروا بمرحلة الشباب ويعرفونها جيدا. وقال هيرب إننا طاقم عمل ماهر وإننا نقوم بمهامنا على أكمل وجه، وأضاف أنه لم يرد أن يقع في أي مشكلة مع أزواج أي من السيدات اللاتي يعملن في الحظيرة بسبب سهرهن هنا حتى وقت متأخر. أعربت مارجوري وليلي عن لامبالاتهما تجاه زوجيهما، بينما قالت أيرين إنها تحب زوجها وأنكرت أنه جيء به من ديترويت رغما عنه ليتزوجها، بغض النظر عما كان يقوله الناس. قال هنري إن الحياة تكون هنيئة ما لم نضعف أمامها، وتمنى لنا مورجان عيد ميلاد سعيدا.
عندما خرجنا من الحظيرة، كانت الثلوج تتساقط من السماء. قالت ليلي إن هذا الطقس أشبه ببطاقة معايدة، وقد كان حقا؛ فالثلوج تدور حول أضواء أعمدة الإنارة في المدينة، وحول المصابيح الملونة التي وضعها الناس خارج مداخل بيوتهم. أقل مورجان كلا من هنري وأيرين إلى بيتهما بشاحنته بسبب تقدم سن هنري وحمل أيرين، واحتفالا بعيد الميلاد. واتخذ مورجي طريقا مختصرا عبر الحقل، بينما رحل هيرب وحده مطأطئ الرأس ويداه في جيبيه، يتمايل قليلا وكأنه على متن قارب. وعقدت مارجوري وليلي ذراعيهما بذراعي وكأننا أصدقاء قدامى.
قالت ليلي: «هيا نغن. ماذا تقترحان؟»
قالت مارجوري: ««نحن الملوك الثلاثة»؟ «نحن مستخرجات أحشاء الحبش الثلاثة»؟» «ما رأيكن في أغنية «أحلم بعيد ميلاد ثلجي»؟» «ولماذا تحلمين؟ ها قد تحقق!»
وهكذا غنينا.
الحادثة
بعد ظهر أحد الأيام في بداية شهر ديسمبر، تسكعت فرانسيس بالقرب من إحدى النوافذ في الطابق الثاني بالمدرسة الثانوية في هانراتي. كان ذلك في عام 1943، وكان زي فرانسيس متماشيا مع موضة ذلك العام؛ إذ كانت ترتدي تنورة داكنة اللون مربعة النقش، وشالا ذا أهداب على شكل مثلث من نفس القماش؛ وضعت الشال على كتفيها وضمت طرفيه عند خصرها. كما كانت ترتدي بلوزة بيضاء اللون تميل إلى الصفرة من الساتان - الساتان الأصلي الذي اختفى من الأسواق بعد هذه الفترة مباشرة - واشتملت البلوزة على العديد من الأزرار اللؤلئية الصغيرة من الأمام وعلى الكمين. لم تكن فرانسيس معتادة على ارتداء مثل هذه الثياب لدى قدومها لتعليم الموسيقى في المدرسة الثانوية؛ فأي سترة وتنورة قديمتين كانتا ستؤديان الغرض؛ ولهذا كان هذا التغيير ملحوظا.
لم يكن لديها عمل في الطابق الثاني؛ ففرقتها الموسيقية تغني في الطابق السفلي. وخلال هذه الفترة كانت تدرب الطالبات بجد لإعدادهن لحفل الكريسماس. كانت أغنيتهن الصعبة هي «سوف يطعم قطيعه»، ثم «ترنيمة هورون» (وقد شكا أحد أولياء الأمور أنه ظن أن من ألف الترنيمة قسيس)، و«قلوب البلوط» لأنه كان لا بد من وجود أغنية وطنية بسبب الأحوال السائدة، وأغنية «الصحراء»، التي كانت من اختيار الطالبات. ووقتئذ كن يصدحن بأغنية «المدينة المقدسة». وكانت هذه الأغنية من الأغاني المفضلة بشدة، لا سيما لدى الفتيات الحالمات ممتلئات الصدر وكذلك سيدات الكورال. وكان بوسع فتيات المدرسة الثانوية إثارة غضب فرانسيس؛ فمرة يردن إغلاق النوافذ، ومرة يردن فتحها؛ مرة يقلن إن تيارات الهواء باردة، ومرة يقلن إن قواهن تخور من الحر. كن يعتنين بأجسادهن، ويتحركن غارقات في حب ذواتهن بغير رضى، وينصتن إلى رفرفات القلب، ويتحدثن عن تباريح الحب. إنها بداية انتقالهن إلى الأنوثة المكتملة. ثم ماذا يحدث لهن؟ نهود ومؤخرات ممتلئة، شعور طفيف بالأهمية، خجل، شرود ذهني، عناد، رائحة مشدات الجسم، وإفشاء أسرار مقززة. كن يحظين بنظرات تبجيلية في الكورال. أما عن العلاقات الغرامية، فما يمارسنه فعليا ليس سوى نوع رتيب من الجنس، على شاكلة قول: «يسير معي ويحدثني ويخبرني أني حبيبته.»
تركتهن فرانسيس وحدهن، وتظاهرت أنها ذاهبة إلى مرحاض المعلمين. كل ما تفعله هناك هو إضاءة الأنوار والنظر بارتياح إلى وجهها غير فائق الجمال؛ وجهها الطويل ذي الإشراقة الحزينة، بأنفه الكبير قليلا، والعينين البنيتين الصافيتين، وشعرها الكثيف المجعد الذي يتراوح لون خصلاته بين الأحمر والأسود. تحب فرانسيس مظهرها، وعادة ما تبتهج برؤية وجهها في المرآة . يبدو أن معظم النساء - على الأقل حسبما يرد في الكتب - يواجهن صعوبة في تقبل مظهرهن، وذلك باعتقاد أنهن أقل جمالا مما يبدون بالفعل. ولكن تعترف فرانسيس أن مشكلتها هي النقيض؛ فليس الأمر أنها تظن نفسها جميلة، بل أنها محظوظة بوجهها المغري. فهي تتذكر أحيانا فتاة في معهد الموسيقى اسمها ناتالي، ولا تتذكر اسم أبيها، كانت تعزف على الكمان. اندهشت فرانسيس عندما عرفت أن الناس أحيانا ما تخلط بينها وبين ناتالي التي اتسمت بوجه شاحب ناتئ العظام وشعر مجعد. بل كانت أكثر اندهاشا عندما علمت - عبر شبكة من الأصدقاء والأخلاء المقربين - أن الأمر كان يزعج ناتالي بقدر ما كان يزعجها. وعندما فسخت فرانسيس خطبتها على بول - وكان زميلا أيضا بمعهد الموسيقى - قال لها بنبرة فظة واقعية وخالية من أي تودد أو عواطف كان يشعر من قبل باضطراره إلى استخدامها معها: «حسنا، هل تعتقدين حقا أنك تستطيعين أن تقدمي لي أفضل من هذا؟ أنت لست أجمل الفتيات، وأنت تعلمين هذا.»
Shafi da ba'a sani ba