135

Watannin Jupiter

أقمار المشتري

Nau'ikan

عندما عدت إلى الغرفة، قال أبي بصوت مندهش: «بحار بلا شطآن.»

سألته: «ماذا؟» تساءلت ما إذا كان قد اكتشف الوقت المتبقي له في الحياة، أو كم أن الوقت المتبقي له محدود. تساءلت ما إذا كانت الأقراص التي يتعاطاها قد أدخلته في حالة من النشوة المفرطة، أم أنه أراد المقامرة. ذات مرة، بينما كان يتكلم معي عن حياته، قال: «مشكلتي أنني كنت دوما أخشى المخاطرة.»

كنت أقول للناس دوما إنه لم يتكلم عن حياته نادما قط، لكن هذا لم يكن صحيحا. كل ما في الأمر أنني لم أكن أنصت إليه. قال إنه كان ينبغي أن يعمل موردا للجيش - كانت حالته المادية ستتحسن. وقال إنه كان ينبغي أن يزاول مهنة النجارة مستقلا بعد الحرب. وكان ينبغي أن يغادر مدينة داجليش. ذات مرة قال: «حياة ضائعة، أليس كذلك؟» لكنه كان يسخر من نفسه، قائلا إن مثل هذه العبارة درامية للغاية. وكان كلما يقتبس شعرا، أستشعر دوما نبرة ساخرة في صوته، وكأنها اعتذار عن استعراض معرفته الشعر واعتذار عن الترفيه عن نفسه.

قال مجددا: «بحار بلا شطآن.» واستطرد: ««وراءه تقبع جزر الأزور الرمادية، خلف بوابات هرقل؛ أمامه ما من سراب للشطآن، أمامه بحار بلا شطآن.» هذا ما كان يدور بخلدي ليلة أمس. ولكن، هل تعتقدين أني استطعت تذكر نوع البحار؟ لم أستطع. أكانت بحارا موحشة؟ بحارا خاوية؟ كنت على وشك أن أتذكرها، لكنني لم أستطع. ولكن الآن عندما دلفت إلى الغرفة، ولم أكن أفكر فيها مطلقا، خطرت لي الكلمة فجأة. هذا ما يحدث دائما، أليس كذلك؟ الأمر ليس مفاجئا؛ فأنا أطرح على عقلي سؤالا. وتكون الإجابة حاضرة، لكنني لا أستطيع أن أرى العلاقات التي يصنعها عقلي للوصول إليها. شأنه شأن الحاسب الآلي، لا يوجد شيء فيه يتعذر إيجاده. أتعرفين، في حالتي هذه، لو كان هناك أي شيء لا يمكنني تفسيره مباشرة، فثمة دافع قوي بداخلي يجعلني ... حسنا يجعلني أحوله إلى لغز. ثمة دافع قوي يجعلني أومن ب ... أنت تعرفين قصدي.»

سألته برفق وفي داخلي شعور هائل بالحب والتقدير: «بالروح؟» «أوه، أعتقد أنه يمكنك إطلاق اسم الروح عليه. أتعرفين، عندما دخلت الغرفة أول مرة، كانت هناك كومة من الأوراق إلى جوار السرير. أحدهم تركها هنا - تلك الصحف الصفراء التي لم أعبأ يوما بتصفحها. وشرعت في قراءتها. سأقرأ أي شيء يقع تحت يدي. ثمة سلسلة منشورة في تلك الصحيفة عن تجارب شخصية لأناس ماتوا من وجهة النظر الطبية - معظمهم أصيبوا بأزمات قلبية - ثم عادوا للحياة مرة أخرى . يروون ذكرياتهم عن الفترة التي فارقوا فيها الحياة. تجاربهم.»

سألته: «وهل كانت ذكريات سعيدة أم لا؟» «أوه، سعيدة. كانت أرواحهم تصعد إلى سقف الغرفة ليتطلعوا إلى أجسادهم من عل والأطباء يعالجونهم. وبعدها يصعدون لأعلى، ويتعرفون على بعض الأشخاص الذين فارقوا الحياة قبلهم. لا يرونهم تحديدا، لكن يستشعرون وجودهم. تارة على هيئة طنين، وتارة أخرى على هيئة ... ما اسم هذا الضوء أو اللون الذي يحيط بالإنسان؟» «هالة؟» «بالضبط، ولكن دون أن يكون للشخص نفسه وجود. هذا كل ما يرونه؛ وبعدها يرجعون إلى أجسادهم، ويشعرون بالآلام البشرية كلها ... يرجعون إلى الحياة.» «هل بدا كلامهم مقنعا؟» «أوه، لا أعرف. الأمر يرتهن بما إذا كنت تودين تصديق مثل هذه الأشياء أم لا. وإذا كنت ستصدقينها، وتأخذينها على محمل الجد، أعتقد أنك يجب أن تتعاملي مع كل ما ينشر في هذه الصحف بجدية أيضا.» «ماذا فيها خلاف ذلك؟» «هراء ... علاجات للسرطان والصلع وكلام فارغ عن جيل الشباب والمستفيدين من إعانات الدولة. وأخبار تافهة عن نجوم السينما.» «نعم، أعرف ذلك.»

قال: «من هم في مثل حالتي يجب أن يتوخوا الحذر وأن ينتبهوا جيدا، وإلا فسيخدعون أنفسهم.» ثم قال: «هناك بعض التفاصيل الدقيقة التي ينبغي أن نقف عليها.» وأخبرني عن وصيته والبيت والمقبرة. كان كل شيء بسيطا.

سألته: «هل تريدني أن أتصل ببيجي؟» بيجي أختي، وهي زوجة لفلكي وتعيش في فيكتوريا.

فكر في الأمر، وقال أخيرا: «أعتقد أننا يجب أن نخبرهما. ولكن قولي لهما لا داعي للقلق.» «حسنا.» «لا، تمهلي. من المفترض أن يذهب سام لأحد المؤتمرات نهاية هذا الأسبوع، وبيجي كانت تعتزم مرافقته. لا أريد لهما الحيرة بشأن تغيير خططهما.» «أين سيعقد المؤتمر؟»

قال بفخر: «في أمستردام.» كان فخورا بسام، وحريصا على تتبع كتبه ومقالاته. كان يختار واحدة من مقالاته ويقول بنبرة إعجاب لم تخل من قليل من السخرية: «هلا تلقين نظرة عليها؟ لا أفهم كلمة واحدة منها!»

Shafi da ba'a sani ba