47

Aqeedah of Loyalty and Disavowal - Al-Muqaddim

عقيدة الولاء والبراء - المقدم

Nau'ikan

إن أكرمكم عند الله أتقاكم
الأدلة التي تبين أهمية الولاء والبراء وبعض حقوقها لا تفرق بين المسلم وأخيه المسلم، لا على أساس اللون، ولا الوطن، ولا اللغة، ولا الجنس، ولا غير ذلك؛ مصداقًا وامتثالًا لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات:١٣]، لم يقل الله ﷾: إن أكرمكم عند الله أعظمكم نسبًا، أو أكثركم مالًا، بل إن أكرمكم عند الله أتقاكم، كما قال بعض الشعراء: ألا إنما التقوى هو العز والكرم وحبك للدنيا هو الذل والعدم وليس على عبد تقي نقيصة إذا صحح التقوى وإن حاك أو حجم وقال ﵌: (لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأسود على أبيض، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، كلكم لآدم، وآدم من تراب).
وقال ﵌: (إن الله أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمن تقي أو فاجر شقي).
وقال ﷺ: (إن آل فلان ليسوا لي بأولياء، إنما وليي الله وصالح المؤمنين).
وقال ﷺ: (إن أولى الناس بي المتقون)، لم يقل: أهل نسبي وأقاربي، وإنما قال: (إن أولى الناس بي المتقون من كانوا وحيث كانوا)، نرى أحيانًا بعض الناس يتغطرسون ويتكبرون على الناس بانتسابهم إلى النبي ﷺ، ونسبه عظيم، لكن ينبغي الالتزام بسنته وهديه ﵌، فأغلب الحكام الظلمة والمناوئين لدين الإسلام يفاخرون غيرهم بأنهم من بني هاشم، فهذا الملك الحسين بن طلال في الأردن يفخر بأنه من الهاشميين وأنه من نسل النبي ﷺ، حتى وإن سلم لهم أنهم من نسله، فحيث أنهم محاربون لدين الله، ويظاهرون أعداء الإسلام على المسلمين؛ فينطبق عليهم قول النبي ﷺ: (إن أولى الناس بي المتقون من كانوا وحيث كانوا)، وقوله: (إن آل فلان ليسوا لي بأولياء، إنما وليي الله وصالح المؤمنين).
فما أثر الانتساب إليه ﵌؟ ولا ينبغي لمن رزق هذا النسب أن يجعله عائقًا له عن التقوى، وسببًا لمتابعة الهوى، فالحسنة في نفسها حسنة، وهي من بيت النبوة أحسن، والسيئة في نفسها سيئة، وهي من أهل بيت النبوة أسوأ، قال الله تعالى: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا﴾ [الأحزاب:٣٠ - ٣١]، فالحسنة إذا أتت من أشرف الناس نسبًا كأهل بيت النبي ﷺ وأقربائه فهي أحسن، والسيئة إذا صدرت من أهل بيت النبوة تكون أسوأ، فقد يبلغ اتباع الهوى لذلك النسب الشريف إلى حيث يستحي أن ينسب إلى رسول الله ﵌، قال بعض الشعراء لشريف ينتسب إلى النبي ﷺ، ولكنه كان سيء الأفعال: قال النبي مقال صدق لم يزل يحلو لدى الأسماع والأفواه إن فاتكم أصل امرئ ففعاله تنبيكم عن أصله المتناهي وأراك تسفر عن فعال لم تزل بين الأنام عديمة الأشباه وتقول إني من سلالة أحمد أفأنت تصدق أم رسول الله يقول الإمام الألوسي رحمه الله تعالى: ولا يلومن الشريف إلا نفسه إذا عومل حينئذ بما يكره، وقدم عليه من هو دونه في النسب بمراحل كما يحكى أن بعض الشرفاء في بلاد خراسان كان أقرب الناس إلى رسول الله ﷺ، غير أنه كان فاسقًا ظاهر الفسق، وكان هناك مولى أسود تقدم في العلم والعمل، فأكب الناس على تعظيمه، فاتفق أن خرج يومًا من بيته -ذلك المولى الأسود العالم العابد من بيته- يقصد المسجد، فاتبعه خلق كثير يتبركون به، فلقيه الشريف وهو سكران، فكان الناس يطردونه عن طريقهم، فغلبهم وتعلق بأطراف الشيخ وقال: يا أسود الحوافر والمشافر، يا كافر ابن كافر، أنا ابن رسول الله ﷺ أذل وأنت تجل؟! وأهان وأنت تعان؟! فهم الناس بضربه، فقال الشيخ: لا تفعلوا هذا محتمل منه لجده، وإن خرج عن حده، ولكن أيها الشريف! بيضت باطني، وسودت باطنك، فرؤي بياض قلبي فوق سواد وجهي فحسنت، وسواد قلبك فوق بياض وجهك فقبحت، وأخذت سيرة أبيك، وأخذت سيرة أبي، فرآني الخلق في سيرة أبيك ورأوك في سيرة أبي فظنوني ابن أبيك، وظنوك ابن أبي، فعملوا معك ما يعمل مع أبي، وعملوا معي ما يعمل مع أبيك.
هذه هي مساواة الإسلام، هذا هو معنى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات:١٣]، فهكذا يرتفع بالإسلام أقل الناس وأحقرهم إلى أعلى المقامات، وإلى أشرفها، ولا ينفع هذا الشريف وجود هذه النسبة، وهي شرف الانتساب إلى النبي ﵌، لكن لابد من التقوى كما بينا.

3 / 15