Aqbat Da Musulmai
أقباط ومسلمون: منذ الفتح العربي إلى عام ١٩٢٢م
Nau'ikan
ويقال: إن الظاهر سمح للأقباط بالاحتفال بعيد الغطاس، وبأن يقيموا الملاهي العامة بهذه المناسبة،
40
ويبدو بصفة عامة أن الأقباط استعادوا شيئا من الثقة والطمأنينة في هذا العهد، مما جعل الرحالة المسلم «ناصري خسرو» يقول عن زيارته لمصر عام 1035م: «لم أعرف بلاد تتمتع بالأمن والطمأنينة كبلاد مصر، لقد رأيت نصرانيا كان أغنى رجال مصر، ولم يستطع أحد أن يحصي عدد المراكب التي كان يملكها، ولا أن يقدر عدد أملاكه ولا قيمتها فاستدعاه الوزير وقال له: «إن الحالة في هذه السنة غير مرضية وتثقل آلام الشعب على حاشية السلطان، قل لنا ماذا تستطيع أن تعطينا من القمح سواء بعته لنا أو أقرضته لنا؟» فأجاب النصراني: «الحمد لله أني، بفضل ثروة السلطان ووزيره، أملك الآن من القمح مقدرة عظيمة حتى إني أستطيع أن أمد مصر به لمدة ست سنوات.».
41
لا شك أن في قصة خسرو شيئا من المبالغة، ولكن إغفاله ذكر الاضطهاد ونقله عن لسان قبطي عبارات بهذه الصراحة، لدليل على أن النصارى كانوا يعيشون في أمان في هذا العهد. (5) المستنصر بالله 427-495ه «1036-1101م»
حكم الخليفة المستنصر البلاد مدة طويلة؛ إذ ارتقى العرش في السابعة من عمره، ولكن خلافته لم تكن مجيدة، فإن اضمحلال الفاطميين الذي بدأ في العصر السابق، ازداد بسبب الفوضى الداخلية، وقد نهب المرتزقة الأتراك قصر الخليفة، ولما جردوه من ثروته، اضطر الخليفة أن يفترش حصيرة في قصره الذي كان خاليا من كل أثاث، حتى إن أعداءه اللدا رثوا لحالته التعسة وذرفوا الدموع عليها.
لم يؤثر المستنصر على مجرى الحوادث، وبينما كان الجند الأتراك والجند السود يشتبكون في قتال دموي عنيف، وبينما حل في البلاد قحط شديد جعل الشعب يأكل الجثث وأجياف الحيوانات، كان الوزراء يتتابعون على كرسي الحكم، ولم يكن نتيجة ذلك سوى استمرار حالة الفوضى التي انغمست فيها البلاد.
ونحن نذكر هذه التفاصيل الخارجية نوعا ما عن الموضوع، لنظهر فقط كيف أرسل الخليفة - وقد أعيته الحيلة - في طلب الأرمني بدر الجمالي. وقد استتب الأمن في البلاد، وخاصة بالنسبة للأقلية، في عهد الوزير الذي كان عبدا، ثم أسلم فأصبح وزيرا عظيما.
وقبل وصول بدر إلى مصر، كانت الأقلية تتحمل الشيء الكثير من غضب الوزير «اليازوري» و«نصر الدولة»، ففي وزارة اليازوري، تحولت أنظار الفاطميين نهائيا نحو الشرق، ولما ثارت تونس على خلافة مصر، لم يجهز اليازوري حملة ضد الثوار، بل لجأ إلى قبيلتي «بني هلال» و«بني سليم» العربيتين حليفتي الفاطميين، وكانت لهما شهرة واسعة في أعمال السلب والنهب على الحدود الغربية للدلتا، وقال لهما: «لقد تركنا لكما ولاية تونس، فاجتاحوها وخربوها»، هذا لأن الفاطميين كانوا وقتئذ يساعدون بأموالهم ثورة أحد القواد الأتراك ضد خلافة بغداد (450ه/1059م)، فلم يهتموا إطلاقا بمصير بلادهم الأصلية، ولما فشلت الثورة ضد العباسيين، أقيل اليازوري.
وكان من البديهي أن يعتمد حكام مصر في مثل هذه الظروف الحرجة على مؤازرة جميع طبقات الشعب أكثر منه في أي وقت آخر، ولكن يبدو حقا أن نفوذ الأقباط تلاشى منذ خلافة الحاكم؛ لأن اليازوري أظهر عدوانه لهم طوال مدة حكمه، وكان ينتهز كل فرصة ليغتصب منهم المال، «فلما اتهم البطريرك خريستودولوس بتحريض ملك النوبة النصراني بعدم القيام بواجباته نحو الخليفة الفاطمي، ألقى اليازوري القبض على البطريرك دون أن يقوم بأي تحقيق، وأمره بدفع مبلغ مائة دينار، ولما جيء به إلى القاهرة، أرسل إلى «عبد الدولة» محافظ منطقة مصر السفلى الذي اقتنع ببراءته، فذهب إلى اليازوري «وأخذ منه في الحال تصريحا بإطلاق سراحه.».
Shafi da ba'a sani ba