Aqbat Da Musulmai
أقباط ومسلمون: منذ الفتح العربي إلى عام ١٩٢٢م
Nau'ikan
احتفظ الأقباط بذكريات حسنة عن حكم عمرو بن العاص لهم، رغم أنه لم يتردد في اتخاذ إجراءات مخالفة للقانون في سبيل مضاعفة الإيراد، ويقول ابن عبد الحكم في ذلك: «إن عمرو بن العاص لما فتح مصر قال لقبط مصر: إن من كتمني كنزا عنده فقدرت عليه قتلته»، وأن نبطيا من أهل الصعيد يقال له: بطرس «ذكر لعمرو أن عنده كنزا، فأرسل إليه، فسأله، فأنكر وجحد فحبسه في السجن وعمرو يسأل عنه: «هل تسمعونه يسأل عن أحد» فقالوا: «إنما سمعناه يسأل عن راهب في الطور»، فأرسل عمرو إلى بطرس، فانتزع خاتمه من يده، ثم كتب إلى ذلك الراهب أن ابعث إلي بما عندك وختمه بخاتمه، فجاء رسوله بقلة شأمية مختومة بالرصاص، ففتحها عمرو، فوجد فيها صحيفة مكتوبة فيها: «مالكم تحت الفسقية الكبيرة» فأرسل عمرو إلى الفسقية، فحبس عنها الماء ثم قلع البلاط الذي تحتها، فوجد فيها اثنين وخمسين أردبا ذهبا مضروبة، فضرب عمرو رأسه عند باب المسجد، فذكر ابن رقية أن القبط أخرجوا كنوزهم شفقا أن يبقى على أحد منهم فيقتل كما قتل بطرس.».
ونعلم من جهة أخرى أن بعض الأقباط القاطنين في الإسكندرية أو في الأراضي المجاورة لها ساعدوا البيزنطيين الذين نزلوا بمراكبهم إلى الساحل عام 23 أو 25 من الهجرة، ولم يستغرب المؤرخون العرب إطلاقا لهذه المساعدة ويعللونها بالحادث الآتي: «كان سبب نقض الإسكندرية هذا أن صاحب إخنا قدم على عمرو بن العاص فقال: «أخبرنا ما على أحدنا من الجزية فيصير لها»، فقال عمرو وهو يشير إلى ركن كنيسة: «لو أعطيتني من الركن إلى السقف ما أخبرتك، إنما أنتم خزانة لنا، إن كثر علينا كثرنا عليكم، إن خفف عنا خففنا عنكم»، فغضب صاحب إخنا فخرج إلى الروم».
50
لم يفه الخلفاء بتصريحات حاسمة كالتي فاه بها عمرو، ولكنهم حرصوا على أن تكون للقوانين تفسيرات مطاطة تطاوع حاجتهم إلى المال، نعم لم يريدوا أن يتخطوا حدود القوانين، ولكنهم ذهلوا لنقص دخلهم بهذه السرعة، ولما كانوا غير مستعدين في أي وقت من الأوقات لوقف سيل فتوحاتهم أو الحد من ترف معيشتهم، فقد أرغموا على اتخاذ إجراءات مالية انتهت بإثارة موجة من السخط بين أفراد الشعب النصارى والمسلمين على السواء.
وإليك بعض الأمثلة، كان يوجد في مصر في العصر البيزنطي؛ أي: قبل أن يفرض المسلمون الجزية على البلاد، مساحات كبيرة من الأراضي الصالحة للزراعة قد هجرها أصحابها من الأقباط الذين رفضوا أن يسددوا الضرائب المفروضة عليها، ولما جاء العرب، ترك السكان أراضي أخرى صالحة للزراعة للسبب نفسه، فأصبحت السلطة لا تجني أية فائدة منها.
وقد عرض الوالي الوليد بن رفاعة في سنة 109ه «727م» على الخليفة هشام بن عبد الملك هذه الحالة المحزنة التي آلت إليها بعض الأراضي في مصر، والتمس منه أن يصرح بهجرة بعض القبائل العربية إلى مصر لتسد الفراغ الذي يشكو منه، وقد صرح الوالي أن استقرار العرب في هذه الأراضي لن يلغي خراجها «وهو ضريبة الخمس» ليفرض مكانه العشورية «وهي ضريبة العشر» وعلى كل، فإن هذه الهجرة قد تؤدي إلى ازدهار البلاد؛ إذ إن الأراضي المذكورة لم تسدد الخراج ولا العشورية.
وصرح هشام بن عبد الملك، عملا بمشورة الوليد بن رفاعة، لثلاثة آلاف فرد من قبيلة قيس بالنزوح إلى مصر والإقامة فيها، وقد اشترط عليهم شرطا واحدا، وهو ألا يقيموا في الفسطاط وأن يستقروا في الحوف الشرقي، وسرعان ما اغتنى من أقام منهم في مدينة بلبيس لقيامهم بنقل البضائع الصادرة إلى بلاد العرب، وسرعان ما أخبروا سائر أفراد قبيلتهم بثرواتهم، فخف إلى مصر خمسمائة آخرون، فقدمت أفواج أخرى طلبا لثراء ونزلت في الأراضي التي هجرها سكان البلاد الأصليون .
على أنه يجدر بنا أن نذكر أن هؤلاء العرب لم يحضروا إلى مصر لأغراض اقتصادية بحتة؛ إذ إن الوالي الوليد بن رفاعة لم يقدم اقتراحه إلى الخليفة إلا بعد ثورة الأهالي الأولى في الحوف الشرقي، وأن أول فوج من المهاجرين قطن في مدينة بلبيس؛ أي: في المكان الذي نشبت فيه الثورة.
وقد تمكن هؤلاء العرب من التوغل تدريجيا في البلاد كلها، وأصبحنا نراهم في الوجه البحري والوجه القبلي ومصر الوسطى، وقد تزوجوا من نساء قبطيات اعتنقن الإسلام، لم يعد أحد يستطيع أن يفرق بينهم وبين سكان البلاد الأصليين الذين اعتنقوا الإسلام، وقد حصل السواد الأكبر منهم على أراض مما أدى إلى ظهور مشكلة البحث من نوع الضريبة التي يجب أن يؤديها هؤلاء الملاك الجدد، وتدخل المشرع لمصلحة السلطة، فأفتى بأن تستمر الأراضي الخاضعة للخراج في تأدية هذه الضريبة عنها حتى لو نقلت ملكيتها إلى مالك مسلم، وحجة المشرع أن أراضي البلاد المحتلة ملك المسلمين جميعهم، وأنه ليس بالإمكان تضحية المصلحة العامة في سبيل المصلحة الخاصة.
51
Shafi da ba'a sani ba