ولماذا لم يَقُل لعمر ستكون أميرًا عظيمًا، وسلطانًا مهيبًا، وستملك ما تحت قدم قيصر وكسرى؟ .
ذلك لأن رسول الله ﷺ كان في دعوته وإجاباته مستحضرًا حال المدعو الإيمانية ...
فأما سراقة فلم يخرج لاحقًا رسول الله ﷺ إلا للمال، ونفسيته نفسية غير إيمانية، فهو لا يقيم وقتئذ للإيمان والجنة وزنًا، فلا يناسب أن يقال له: ستكون مؤمنًا، وستدخل الجنة، لأن نفسيته - يومئذ - كانت نفسية دنيوية، وقصده من اتباع النبي كان قصدًا ماديًا، فناسب أن يَعِدَهُ الرسول ﷺ بالمادة (سواري كسرى) التي هي مقصده الأول وقتئذ، ومعلوم عند سراقة أمانة رسول الله وصدقه .. وأنه إذا وعد وفى.
وأما عمر ﵁ فنفسيته نفسية إيمانية، لا تقيم للدنيا وزنًا، أمام رضا الله تعالى وجنته، فناسب أن يخاطب نفس عمر بما يناسبها، فقال له: «أما ترضى أن تكون لهم الدنيا، ولنا الآخرة».
كما يَصْلُحُ هذا شاهدًا قويًا لما سبق ذكره في باب مراعاة أحوال المدعوين الشخصية والنفسية.
ويدخل في هذا الباب كذلك؛ المسلمون الحديثو عهد بالجاهلية، إذ لا يكون خطابهم كخطاب المؤمنين السابقين بالإيمان، أو الذين وُلدوا في الإسلام، كما لا يكون خطاب الصغار كخطاب الكبار.
ذلك لأن الإيمان والعلم لا يكونان عند حديثي العهد، كما يكونان عند المؤمنين السابقين بالإيمان.