فإن شئت أن يكون طبيبًا رأيته طبيبًا، وإن شئت أن تراه مصلحًا بين الناس كان مصلحًا، وإن شئت أن تجده بائعًا وشاريًا كان كذلك.
وحسبك أن امرأة شكت إليه قلة جماع زوجها (١).
وزار صاحبًا له وكان في البيت غلام، قد حبس طيرًا له في قفص فمات، فحزن عليه، فقال له الرسول ﷺ مداعبًا ومواسيًا: «يا أبا عُمير .. ما فعل النُغَيْر؟ !؟». (٢)
فانظر - أيها الداعية وفقك الله - إلى هذا الصنيع ما ألطفه، وإلى هذا التصرف ما أبدعه .. سيدُ الخلق .. وسيدُ الرسل .. وسلطانُ الدولة يداعب صبيًا .. ويواسي ولدًا .. في ماذا؟ ! .. في عصفور فقده .. فما أحرى العلماء والدعاة إلى مثل هذا الخلق.
وجاءه - مرة - رجل ليشكو له انطلاق بطن أخيه، فأمره أن يسقيه عسلًا ...، فعن أبي سعيد أن رجلًا أتى النبي ﷺ فقال: أخي يشتكي بطنه، فقال: «اسقه عسلا» ثم أتى الثانية، فقال: «اسقه عسلا»، ثم أتى الثالثة فقال: «اسقه عسلا»، ثم أتاه فقال: قد فعلت؟ فقال: «صدق الله، وكذب بطن أخيك، اسقه عسلا» فسقاه فبرأ. (٣)
فانظر إلى هذا التواضع الجم، والمخالطة النافعة. أُيسأل رسول الله ﷺ سيد الخلق، ورئيس الدولة- عن مرض يستحي المرء من إخبار الناس
(١) أخرجه البخاري (٥٨٢٥)، ومسلم (١٤٣٣).
(٢) رواه البخاري (٦١٢٩، ٦٢٠٣)، ومسلم (٢١٥٠)، والنغير: طير صغير [فتح الباري: ١٠/ ٥٨٣].
(٣) البخاري (٥٦٨٤، ٥٧١٦)، ومسلم (٢٢١٧)، انطلاق البطن: مرض يقال له في عصرنا: الإسهال.