Anƙon Nufi
الأنظار السديدة في الفوائد المفيدة
Nau'ikan
وأما تعلقها بالباري فمعناه أنه خلق فينا قدرة يصح تأثيرها في إيجاد أفعالنا، أو جعلنا على صفة تؤثر في ذلك على حسب الخلاف بين الأصحاب في القدرة، هل هي معنا أو نفس الصحة أو اعتدال المزاج؟ وما ذهب إليه الأئمة فهو قول العدلية قاطبة، إلا أنهم اختلفوا هل العلم بذلك ضروري أو استدلالي؟ فقال الأمير الحسين وغيره: أن العلم بذلك ضروري يعلمه حتى الصبيان، وعليه ابتناء المعاملة والمدح والذم والتعجب، وسائر الأمور المتفرعة التي لا تكون إلا مع صدور موجبها عمن مدح أو ذم أو تعجب منه، والعلم بهذه الفروع ضروري فكيف بأصلها، ولا يقدح في العلم بذلك الإنكار إذ منكره كمنكر كون دجلة في الأنهار، ونافيه كنافي ظلمة الليل وضوء النهار، وما هذا حاله لا يحتاج إلى نصب دلالة، إذ لا مجال للشك فيه؛ لأن العقلاء يعلمون بعقولهم حسن أمر العباد بأفعالهم ونهيهم عنها ومدحهم وذمهم عليها، وترغيبهم في فعلها، أو ترهيبهم منه، ويعللون ذلك؛ بأنه فعله، وكل ذلك فرع على أنهم المحدثون لها، ومحال أن يعلم الفرع ضرورة، والأصل استدلالا يوضحه أنا نجد من أنفسنا الفرق الضروري بين أمرنا بالقيام والقعود، وبين أمرنا بإيجاد السماء والكواكب، فلولا أنا الموجدون لأفعالنا لما صح ذلك، والمجبرة يعلمون ذلك، وإنما جحده علماؤهم؛ ميلا إلى الهوى وطلبا للرئاسة، وليست شبههم أدق من شبه السوفسطائية، ولم يدل ذلك على أنهم غير جاحدين للضرورة، ولذلك إنك إذا حكيت مذهبهم لعوامهم أنكروه ونزهوهم منه، بل تجد علماءهم عدلية في المعاملات، فيقولون: باع فلان، ظلم حسن، شريت منه... إلى غير ذلك ولو جرحت أحدا منهم لذمك ووثب عليك كالمضطر إلى أنك الذي جرحته، ولكون العلم بهذه المسألة ضروريا بديهيا، كما حققناه، فالشبه التي يتعلق بها المجبرة لا يجب الجواب عنها وإن قدحت؛ لأن ما قدح في الضروريات لا يلتفت إليه ولا يعرج عليه للقطع بصحة ما قدح فيه، فإن قيل: قد تضمن هذا البحث ما ظاهره الاستدلال على أنا الموجدون لأفعالنا، وذلك ينافي الضرورة.
قيل: لم يورد مورد الاستدلال، وإنما المقصود بالتنبيه على تحقيق دعوى كون ذلك ضروريا.
وأما المهدي فمقتضى كلامه أن ذلك ضروري، لكن لا بالبديهة بل بعد أدنى تأمل أو من باب إلحاق التفصيل بالجملة، فهاتان طريقان:
الطريق الأولى: في احتياج كون العلم بأنا الموجدون لأفعالنا ضروريا إلى أدنى تأمل، وبيانه: أن الذي نعلمه ضرورة ولا يقبل التشكيك، هو: وقوف أفعالنا على دواعينا ووقوعها مطابقة لها.
Shafi 2