صَحِيحَ الأَشَاعِرِ في جَوْفِه ... دَخِيسٌ له مُثْبتُ المدْخَلِ
وأَوْظِفةٌ أَيِّدٌ جَدْلُها ... طِوَالٌ وفي ذاكَ لم تَنْحُلِ
وسَاقانِ كَعْبَاهُما أَصْمعَا ... نِ سَدّا لهُ خَلَلَ المَفْصِلِ
كأَنّ حَمَاتَيْهِمَا أَرْنَبَانِ ... تَقَبَّضَتَا خِيفَةَ الأَجْدَلِ
وفيها:
طَوِيلُ الضُّلُوعِ شَدِيدُ الصِّفاقِ ... خَفُوقُ الحَشَا جُرْ شُعُ المَرْكَلِ
وعَيْنٌ طَحُورٌ بإِنْسانِها ... تُخَالُ كَحِيلًا ولمْ تُكْحَلِ
وخَدٌّ يَغُولُ عِذَارَ اللِّجَا ... مِ عَارِي النَّوَاهِقِ والمصْهَلِ
مُطَارُ الفُؤَادِ إِذَا مَا يُرَا ... عُ ظَلَّ إِلى اللَّيْلِ في أَفْكَل
ولأُبَيّ بن سُلَيْمَانَ بن رَبِيعَة بن ذُيان:
سَبُوحٌ إِذَا اغْتَمَرتْ في الغُبَارِ ... مَرُوحٌ مُلَمْلَمَةٌ كالحَجَرْ
فلَوْ طَار ذُو حَافِرٍ قَبْلَهَا ... لَطارَتْ ولكنَّه لم يَطِرْ
ومن أَحسن ما قيل في الجَرْيِ قولُ أعرابي:
ومَرَّتْ تفُوتُ الطَّرْفَ لَمَّا تَطَافَرتْ ... وقد بَرزَتْ مثْل الظِّباءِ من الحبلِ
فطَارَتْ بأَيْدِيها وعَامَتْ صُدُورُها ... وأَخْرَجهَا فَرْطُ النَّشاطِ إِلىَ الجَهْلِ
وأَجْرَى الرَّشيدُ الخَيْلَ، فسبقَ فَرَسٌ له يُقال له المُشَمِّرُ، فقال للشُّعَرَاءِ: قُولُوا في ذلِك. فابتَدَأَ أَبو العتَاهِيَة فقال:
جاءَ المُشَمِّرُ والأَفْرَاسُ يَقْدُمُهَا ... هَوْنًا على رِسْلِه مِنْهَا ومَا انْبَهَرَا
وخَلَّفَ الرِّيحَ حَسْرَى وهْي تَتْبَعُهُ ... ومَرَّ يَخْتَطِفُ الأَبْصارَ والنَّظَرَا
وكان للرَّشِيد فَرسٌ يَقْرُبُ منه مِعْلَفُهُ، لفَرَاهَتِه، ويُطْعِمُهُ من يَده، ويَدْعوه فيُجِيبُهُ، فرَآهُ الفرسُ يَوْمًا وقد أَطعَمَ فَرَسًا آخَرَ من يده، فكان بعد ذلك إِذا دَعَاهُ لم يُجِبْهُ، وإِذا أَطْعَمهُ مِن يَدِه لم يَأْكُل، فسَمّاه الغَضْبانَ، فسَبقَ الحَلْبَة يومًا، فقالَ الرّشيد للْعُمَانِيّ الرّاجز: قَلِّدْهُ بشيءٍ فوَضَعَ عِمامتَه في عُنُقه، فضَحِكَ الرَّشيدُ وقال: قبحَك اللهُ ما لِهذا أَردتُ؟ أَنتَ أَكُثرُ قَلائدَ منّي؟ إِنّمَا أَرَادْتُ أَن تَصِفَه بشِعْر. فوقَفَ وقال:
قَد غَضِبَ الغَضبانُ إِذْ جَدَّ الغَضَبْ
وجَاءَ يحْمِي حَسبًا فَوْقَ الحَسَبْ
مِنْ إِرْثِ عَبَّاسِ بن عَبْدِ المُطَّلِبْ
النَّسَبِ الخَالِصِ غيرِ المُؤْتَشِبْ
وجَاءَتِ الخَيْلُ بهِ تَشْكو التَّعَبْ
له عَلَيْها ما لَكُمْ على العَرَبْ
فأَحْسَنَ جائزته.
وللعبّاسيّ:
وخَيْلٍ طَوَاهَا القَوْدُ حتَّى كَأنَّها ... أَنابِيبُ سُمْرٌ مِن قَنَا الخَطِّ ذُبَّلُ
صَبَبْنَا علَيْهَا ظَالِمِينَ سِيَاطَنَا ... فطَارَتْ بها أَيْدٍ سِرَاعٌ وأَرجُلُ
ووَصفتْ أَعرابيّةٌ سُرْعةَ فَرسٍ فقالت: لمّا أُخرِجَت الخَيْلُ جاءُوا بشَيْطانٍ في أَشْطان، فلمّا أُرِسِلتْ لَمَعَ لَمْعَةَ سَحابٍ، فكان أَقْرَبها ِإليه الذي تَقَعُ عَينُه علَيْه.
وللمُخَيَّس بن أَرْطَاةَ الأَعْرَجيّ:
جاءَ أَمامَ دُهْمِهَا والبُلْقِ ... مُسْتَشْرِفًا كالعَارِضِ الأَشَقِّ
سَلِيلَ رِيحٍ لَقحَتْ مِنْ بَرْقِ
ولآخر:
جَرَى فأَوْدَعَ جَرْيُ البَرْقِ نُهْزَتَه ... وجاءَت الرِّيحُ تَقٍْفو إِثْرَ ما رسَمَا
وجاءَتِ السُّبَّقُ اللاّئي انْبَريْنَ له ... يَسْأَلْن عَنْ أَثَرٍ من عَهْدِهِ قَدُمَا
وأَنشد الأصمعيُّ لابْن أقَيصِر الأَسَدي وقالَ: لولا أَنّ مَن أَثِقُ به أَنشدَنيها له ثمّ قيل إِنّهَا لأَبي دُوَادٍ ما رَدَدْتُهَا:
؟ خَيْرُ ما يَرْكَب الشُّجَاعُ إِذا مَا ... قيلَ يَومًا أَلاَ ارْكَبوا للْغِوَارِ
كلُّ نَهْدٍ أَقبَّ مُعْتَدِلِ الخَلْ ... قِ أَمِينِ الشَّظَا عَتِيقِ النِّجَارِ
1 / 54