وللغَلْفَاءِ سَلْمَةَ بعْدَ هَدْءِ ... نَوَائحُ يَلْتَدِ مْنَ بسُوءِ حالِ
ونَالَ السَّيْفُ حارِثَةَ بنَ عَمْروٍ ... وخَامَتْ عَنْ حِمَايَتِهِ المَوَالِي
بهَضْبٍ مِن أَوَارَةَ والمَنَايَا ... مُوَكَّلَةٌ بأَعْنَاقِ الرِّجالِ
؟ يَومُ الكَثِيبِ
وهو يومٌ لعَدِيّ بن أُسَامَة على مُرادِ. وفيه مَقتَلُ عَمرو بن بِشْرٍ.
غزا ثَعْلبةُ بن حَبيب العَدَويّ في بني عَدِيٍّ وأَخلاطِ مالك بن بَكْرٍ أَحياءَ مُرَادٍ وهُم يومئذٍ نزولٌ بماءٍ يُقال له الكَثِيبُ، فصبّحَهم، والتقَى الجَمْعانِ، وصَبَر بعضٌ لبعضٍ، ونادَى عَمْرو بنُ بِشْرٍ رِئيسُ مُرَادٍ: مَن يُبارِزُ؟ فبرَزَ إِليه ثَعْلبَةُ، فاخَتلفَا فَطَعَنَه ثَعْلَبَةُ فقَتَله، وولَّتْ مُرادٌ، وأَسْرفَتْ عَدِيٌّ في قَتْلِها، وأَصابَ ثَعْلَبةُ السَّبايَا والأَموالَ وقال في ذلك:
نَمانِي حَبِيبٌ أَبِي لِلْعَلاءِ ... وكَانَ حَبِيبٌ لِقَوْمِي عِمَادَا
سَوَادٌ مُوَرِّثُهُ المَكْرُمَاتِ ... وأَوْرَثَ ذاكَ عَدِيٌّ سَوَادَا
وكَانَ أُسَامَةُ في مَالكٍ ... إِذَا أَصْلَدَ الزَّنْدُ أَوْرَى زِنَادَا
فمِنْهُمْ جَمِيعًا وَرٍثْتُ العُلاَ ... فأَحْيَيْتُ مَجْدًا وقُدْتُ الجِيَادَا
فأَمَّمْتُهَا نَحْوَ أَهْلِ الكَثِيبِ ... بفِتْيَانِ حَرْبٍ فأَفْنَتْ مُرَادَا
فصَبَّحْتُهم قَبْلَ ضَوْءِ الصَّبَاحِ ... مُسَوَّمَةً ما تَهَابُ البِعادَا
ونَادَى رَئِيسُهُمُ بالنِّزَالِ ... وعَبَّى لِكُلِّ سَوَادٍ سَوَادَا
فأَسْمُو لَهُ بطَرِيرِ السِّنَانِ ... وقَدْ كَانَ هذَا لِقَوْمِي عَتَادَا
وأَطْعُنُهُ فَهوَى لِلْجَبِينِ ... كأَنَّ عَلَى مَنْكِبَيْهِ جِسَادَا
وصَوْلُ الأَرَاقِمِ صَوْلُ الأُسُودِ ... يَجُوبُونَ بَعْدَ بِلادٍ بِلاَدَا
وأَخْلَتْ مُرَادٌ لَنَا دارَهَا ... ووَلَّوْا شَعاعًا وهَرُّوا الجِلاَدَا
وكان في مُرَاد جارٌ لهُمْ من كِنْدَةَ، ومَعَهُ أَهلُه ومالُه، فأُسِر وسُبِيَ أَهلُه وأُخِذَ مالُه، فبينَا ثَعْلَبة يعْتَرِضُ السَّبْيَ إِذْ هو بامرأَةِ الكِنْدِيِّ تقول:
يا صَاحِبَ الخَيْلِ الذِي تَوَرّدَا
علَى مُرَادٍ قَدْ حَوَيْتَ الخُرَّدَا
وقَدْ تَرَكْتَ الكَبْشَ مِنْهم مُقْصَدَا
أمنن علينا واتخذ فينا يدا
بيْضَاءَ في كِنْدَةَ أُفْشِيها غَدَا
إِنِّي أَراكَ سَيِّدًا مُسَوَّدَا
تُورِي إِذَا وَأرِى الزِّنَادِ أَصْلَدَا
تَرَكْتَ بالبِيضِ مُرَادًا هُمَّدَا
فقَالَ لهَا ثَعْلَبَةُ: مَنْ أَنتِ؟ فعَرَّفَتْه، فدَعَا بِالكِنديِّ، فأَتاه وقال:
ثَعْلَبَةُ الخَيْرِ أَخو عَدِيّ
لاَقَى مُرَادًا بالأَضَا المَاذِيِّ
صَبَّحَهُمْ بالبيضِ والخَطّيّ
علَى الكَثِيب صَبْحَةَ الطَّسْمِيِّ
فهُمْ بِهَا كالخَشَبِ العَادِيّ
وقَدْ حَوَيْتَ العِزَّ بالهِنْدِيِّ
هَلْ لكَ في عَفْوٍ عَنِ الكِنْدِيِّ
ومِنَّةٍ منْك علَى السَّبِيِّ
فقال ثَعلَبة: يا بنِي عَدِيّ، هذا رجلٌ من كِنْدَةَ، وبَينَنا وبين أَوَّلِيهِ خُلَّةٌ، وقد وَهبْتُ له جميعَ ما أُخذَ منه، وما أُخِذَ منه، وما يَخُصُّني من سْبِي مُرادٍ، فهل لكم أَن تَسمحوا له بذلك، فإِنّ في الأَموالِ والسَّوَام مَقْنَعًا، فأَجابَه بنو عديٍّ إِلى ذلك، ووَهَبَ الكِنْدِيَّ السَّبْيَ عامّةً، ورَدَّ عليه إِبلَه وما أُخِذَ منه وقال: افخَرْ بهذَا السَّبْيِ على مُرادٍ. وقال الكِنْدِيُّ يَتشكَّرُ لبني عَدِيٍّ:
سأشكُرُ ما حَيِيْتُ بنِي عَدِيٍّ ... وشُكْرِي منْهُم لبَنِي حَبِيبِ
لثَعْلَبةَ الأَغَرِّ عليَّ مَنٌّ ... بإِطْلاقِي وفَكِّي مِن كُرُوبِي
وقد غُلَّتْ يَدَايَ فصِرْتُ رَهْنًا ... أَسِيرًا رَافِقًا بُرْدَيْ شَعُوبِ
1 / 41