سارَ عبدُ عَمْرِو بن بِشْر بن مَرْثَدٍ، حتى إذا كان بخُوَيٍّ عَرضَ له المُنْبَطِحُ الأَسَديُّ، في بني أَسَدٍ، وزَيْدُ الفَوَارِسِ بن حُصَيْن بن ضِرارٍ، في بني ضَبَّةَ، ويَزيدُ بن القُحارِيَةِ اليَرْبُوعيُّ، في بني يَرْبُوعٍ. وكانَت اجتمعَتْ هذهِ القبائلُ يوم النِّسارِ، واصطَلَحَتْ، فقالَت بنو قَيٍس. نحن مُجْتَازُون، ولَسْنَا نُرِيدُ الغَارَةَ، فخَلُّوا لنَا سَبِيلَنَا، وكان ضُبَيْعَةُ بن شُرَحْبِيلَ بنِ عَمْرِو بن مَرْثَدٍ أَسَرَ قبْلَ ذلِك اليومِ بِيَسيرٍ هَرْثَمَةَ بن الحُصَيْنِ، أَخا زَيْد الفَوَارسِ، فمن عليه واطلقه بلا فداء فلما عرف زيد الفوارس، بني قَيْسٍ اعتزَلَ بقَوْمه تَشَكُّرًا لما كان منهم إلى أَخِيه، وشَدَّ يَزِيدُ بن سَلَمَةَ اليَرْبُوعِيُّ في بني يرْبُوع وبني أَسَد، على بني قَيْس بن ثَعْلَبَة، وكانت يَرْبُوعٌ وأَسدٌ تُضْعِفُ على بني قَيْسٍ في العَدَدِ، فاقتَتلوا قِتالًا شَدِيدًا، ونادَى عبْدُ عَمْرِو بن بِشْرٍ ابنه بِشْرًا وابنَ أخيه عَمْرَو بن حَسّانَ بن بِشْرٍ، وكانا يعرفان بالجَعْدَين، فقال لهما: والذي يُحْلَفُ به، لئن فاتَكما اليَوْمَ يَزِيدُ بن سَلَمَةَ، لم تأْسِرَاهُ، ولم تَقْتُلاهُ، إِنْ أَنا رُزِقتُ عليه الظَّفَرَ، لا تَرجِعَان معي جَمِيعًا أَبدًا حتى أَقتُلَ أحدَكما. فاقتتَلوا - وزَيدُ الفَوارسِ واقفٌ ببني ضَبَّةَ سَحَابَةَ يَومهم - أَشدَّ قِتَالٍ يكونُ، فلما وَلَّى النَّهارُ وطالَ الشرُّ بينهم انهزمَتْ بنو أَسد، واتبعَتْهم يَربوعٌ، وولَّى يزيدُ بن سَلمةَ، فاتَّبعَهُ بِشْرُ وعَمْرٌو، ويَزِيدُ تَمَطَّرُ بهِ فَرَسُهُ، فخامَ عَمْروٌ أَن يَفُوتَه، فزَرَقَه بالرُّمح بين وَرِكَيْه زَرْقةً خالطَتْ بَطْنَهُ، فوقَع عن فَرَسَه، فأَسَرَهُ عَمْرٌو، وأَتى به عَبْدَ عَمروٍ، فقالَ زيد الفوارِسِ: يا عبد عَمْروٍ، إنه قد حَجَزَني عن نَصْرِ إخوَتي منذُ اليومِ يَدُكم عندي في أَسْرِ أَخي، وفي يَدِك سيّدُ قَوْمِه، يَعْنِي يَزِيدَ، فلَكَ به مائة من الإِبل ودَعْهُ، فقال يزيدُ: يا زيدُ لا تَفْدِني، فإِنّي ميّتٌ، وبالَ دمًا. فعرفوا أَنَّه مَيِّتٌ وباتَتْ ضَبّةُ ناحِيةً وبنو قَيس بن ثعلبة ناحِيَةً، وكان قد أَصابَتْ وائلَ بنَ شُرَحْبيل بن عَمْرِو بن مَرْثَدٍ ثِنْتَا عشرةَ جِرَاحةً، فسَأَل ضُبَيْعَةُ بن شُرَحْبِيل زَيْدَ الفَوَارِسِ أَن يَتْرُكَه عندَه إِلى أَن يُعافَى من جِرَاحاته، ففَعلَ، وانطلقَتْ بنو قَيْس بن ثَعْلَبَةَ في اللَّيْل، وماتَ يَزيدُ بن سَلمةَ ببطن خُوَيٍّ، فدفَنوه ومَضَوا. وقال ضُبيعَة بن شُرَحْبِيل:
وغَادَرْنَا يَزِيدَ لَدَى خُوَيٍّ ... فلَيْسَ بآيِبٍ أُخْرَى اللَّيَالِي
وقال أَيضًا:
لَقُونَا بالمُنِيفَةِ منْ خُوَيٍّ ... وليسَ لنَا ولا لهُمُ عَرِيبُ
ولاَ قَوْنَا بمِثْلَيْنَا رِجَالًا ... وخَيْلًا كُلَّمَا ثَابَتْ تَثُوبُ
فقَاتَلْنَاهُمُ يَوْمًا كَرِيثًا ... إِلى أَن حَانَ مِنْ شَمْسٍ غُرُوبُ
ولما بلغَ بني يَربوعٍ مَوتُ يَزِيدَ بن سَلمَةَ أَتَوا زيدَ الفَوارِس فقالوا: أَعْطِنا وائلًا نَقْتُلْه بيزيدَ، فخافَه وائلٌ لأَنَّه لم يرَ منه جِدًّا في مَنْعِه، فهَرَبَ من عنْدِه، وأَتَى قِرْوَاشَ بن حَوْطٍ، أَحد بني صِرْمةَ، فاستجارَهُ فأَجَارَهُ ومَنعَهُ، فأَتَاهُ زَيْدُ الفَوَارسِ، فقال: مالَك ولِجَارِي؟ قال: ليس بجارٍ. فتَنازَعا فيه حتى عَظُم الشَّرُّ بينهما، فحكَّما رجلًا من بني السِّيدْ بن مالك بن بَكْرِ بن سَعْدِ بن ضَبَّة، قال: فإِنّي أَخَيِّرُ وائلًا، فمن اخْتَارَ فهو جارُهُ، فاختارَ قِرْوَاشًا، فدُفِعَ إِليه، وهَدَأَ الحَيَّانِ ثَعلبةُ وبَكْرٌ، فقال قِرواشٌ:
سيَعْلَمُ مَسْرُوقٌ وفَائِي ورَهْطُهُ ... إِذَا وائلٌ حَلَّ القِطَاطَ ولَعْلَعَا
بأَنّي له جَارٌ وَفِيٌّ ولمْ أَكُنْ ... له مِثْلَ مَنْ رَاءَى بغَدْرٍ وسَمَّعَا
وقال وائلٌ يمدحُ قِرْوَاشًا:
أَبْلِغْ سَرَاةَ بني قَيْسٍ مُغَلَغَلَةً ... مَنَ سَارَ غَوْرًا به منهمْ وأَنْجَادَا
1 / 16