Hasken Bazara a nau'ikan adabi
أنوار الربيع في أنواع البديع
تقول إذا ما جئتها متدرعًا ... أزائر شوقٍ أنت أم أنت ثائر
فقلت لها كلا ولكن زيارة ... تخاض حتوف دونها ومحاذر
فلما خلونا يعلم الله وحده ... لقد كرمت نجوى وعفت سرائر
وبت يظن الناس فيّ ظنونهم ... وثوبي مما رجم الناس طاهر
وقوله وقد أصابته طعنة في خده:
لما رأت أثر السنان بخده ... ظلت تقابله بوجه عابسِ
خلف السنان به مواقع لثمها ... بئس الخلافة للمحب البائسٍ
وقوله أيضًا:
ورب ديار بالعوالي منيعة ... طلعت عليها بالردى أنا والفجرُ
وحي رددت الخيل حتى ملكته ... هزيما وردتني البراقع والخمر
وساحبة الأذيال نحوي رأيتها ... فلم يلقها جافي اللقاء ولا وعر
وهبت لها ما حازه الجيش كله ... وأبت ولم يكشف لأبياتها ستر
ومنه قول امرئ القيس:
فبتنا نذود الوحش عنا كأننا ... قتيلان لم يعرف لنا الناس مضجعا
تجافى عن المأثور بيني وبينها ... وترخي علي السابري المضلعا
إذا أخذتها هزة الروح أمسكت ... بمنكب مقدام على الهول أروعا
قال الشريف المرتضى علم الهدى رضوان الله عليه في رسالة له: رأيت قومًا من متعمقي أصحاب المعاني يقولون: أراد بالمأثور، السيف، وعنى أنه كان مقلدًا سيفًا حال مضاجعته لها، وأنها كانت تتجافى عنه اشتغالًا به. ثم قال: والذي يقوي في ظني أن امرء القيس لم يعن هذا المعنى وإنما عنى أنها تتجافى عن الحديث المأثور بيني وبينها من الوشايات والسعايات، التي يقصد بها الوشاة تفريق الشمل، وإنها تعرض عن ذلك كله، وتطرحه وتقبل على ضمي واعتناقي وإدخالي معها في غطاء واحد. قال ولفظة مأثور تصلح للحديث وللسيف عن القطع. ثم قال: ولم أجد بين امرئ القيس وأبي الطيب من ألم بهذا المعنى.
قال أبو الطيب:
وقد طرقت فتاة الحي مرتديًا ... بصاحب غير عز هاةٍ ولا غزلِ
فبات بين تراقينا ندافعه ... وليس يعلم بالشكوى ولا القبل
قال: وما وجدت لأحد من الشعراء بين أبي الطيب وبين أخي الرضي ﵁ شيئًا في هذا المعنى، ووجدت له ﵀ أبياتًا جيدة، وهي هذه:
تضاجعني الحسناء والسيف دونها ... ضجيعان لي والعضب أدناها عني
إذا دنت البيضاء مني لحاجة ... أبي الأبيض الماضي فما طلها عني
وإن نام لي في الجفن إنسان ناظر ... تيقض عني ناظر لي في الجفن
أغرت فتاة الحي مما ألفته ... أغلله بين الشعار من الطبن
فقالت هبوه ليلة الخوف ضمه ... فما عذره في ضمه ليلة الأمن
قال (وهذه الأبيات استوفت هذا المعنى واستوعبته واستغرقته) وأطنب في نعتها. ثم قال: (ويمضي في ديوان شعري نظم هذا المعنى في أقطاع) . أثبتها في رسالته المذكورة، لكنها تقصر عن رتبة قطعة أخيه.
فمن أحسنها قوله:
لما اعتنقنا ليلة الرمل ... ومضاجعي ما بيننا نصلي
قالت أما ترضى ضجيعك من ... جسمي الرطيب ومعصمي الطفل
إلا احتملت فراق نصلك ذا ... في هذه الظلماء من أجلي
انظر إلى ضيق العناق بنا ... تنظر إلى عقد بلا حل
لا بيننا يجري العقار ولا ... فضل به لمدبة النمل
فأجبتها أني أخاف إذا ... فطنوا بنا أهلوك أو أهلي
عديه مثل تميمة نصبت ... كيلا نصاب بأعين نجل
إني أخاف العار يلصق بي ... يومًا ولا أخشى من القتل
ثم أثبت إقطاعًا أخر خارجة عما نحن فيه، وأطنب الكلام في ذكر محاسنها وبيان ما اشتملت عليه من النكت بيانًا طويلًا.
قلت: ولما وقفت على ذلك عن لي أن أنظم هذا المعنى فاستعنت بالله تعالى ونظمته وزدت فيه زيادة لطيفة، لم يسبقني إليها أحد، فقلت ولم أخرج عما نحن فيه من الافتنان:
ولقد طرقت الحي من سعد ... تحت الدجى كالخادر الوردِ
في ليلة مدت غياهبها ... من فرعها كالفاحم الجعد
والصبح يستهدي لمطلعه ... نجم الدجنة وهو لا يهدي
ومصاحبي من ليس يخفرني ... ماضي الضريبة مرهب الحد
وسريت معتسفًا أنص على ... عبل المقلد مشرف نهد
لا أهتدي والليل معتكر ... ألا بنشر المسك والند
حتى اقتحمت الخدر مجترئًا ... أدلي بعهد الحب والود
1 / 65