فلا يبرهن الموت من ظل راكبا
فإن انحدارا في التراب صعود
لست في هذا المقام ناظرا إلى المعري من جميع نواحيه، وفي شعره كما في شعر كل شاعر على الإطلاق الغث والسمين، إنما أنا مستشهد به وبمحاسنه على أن الألم في كبار الشعراء يخرجهم من المحيط الشخصي المحدود من قيد الأنانية، ويرفع بهم إلى أوج المعرفة والإحساس فيرون ما في الحياة من مواطن الوحي الدنية والقصية، ومن مصادر الشعر في الأغوار وفي الأنجاد، بل يرون الكون كله شعرا إلهيا.
قال «غوته » شاعر الألمان الأكبر: «إن الكون ثوب الله».
وجاء المعري، شاعرنا الأكبر، يبزه بصورة أبلغ وصفا، وأروع حقيقة، وأسمى خيالا، إذ قال:
أرى خيال إزار حمه قدر
ظهرت منه قليلا ثم وريت
هو ذا الخيال في الحقيقة الشعرية، وهو ذا في الاثنين ما يثبت أن هناك شيئا من الشبه بين المعري والفارض، فالمتصوف يجل الله عن الذكر إلا رمزا، وهو لا يجسر أن يراه، إذا فرضنا أن ذلك ممكن، ولم ير إلا الخيال من إزاره، فالكون في نظر الشاعر الألماني هو هذا الإزار، وفي نظر الشاعر العربي هو خيال الإزار، وقد عبر عن مشيئة الله فيه بالقدر، والناس يظهرون من خلال هذا الخيال - يظهرون قليلا في هذه الفانية - ثم يختفون.
لنعد قبل أن نودع المعري إلى موضوعنا فيسعفنا ببعض صور بيئته لنعيد إلى نظر القارئ ما قد يكون نساه في بيئتنا، أوليس من العجب أن نسمع من شاعر القرن الحادي عشر الصوت الذي نود أن نسمعه، من شعراء هذا الزمان.
قال المعري يوبخ الملوك، ويدافع حتى في تلك الأيام - عمن كانوا يدفعون الضرائب.
Shafi da ba'a sani ba