ذلك الحارث ابن ذي شدد. وكان من حديث الرائيش أنه يأتيه الطبيب من قبل الهند والسند. ومن خاسان، وعجائب الهند، فتطلعت نفسه إلى غزوها، فعبأ الجنود وأظهر أنه يريد المغرب بحرا، وأعد السفن، حتى إذا رأى البحر قد مكن قَّدم بين يديه تعفر بن عمرو بن شراحيل بن عمرو بن ذي أنس في خيل عظيمة، وسار في أرضه حتى دخل أرض الهند، فقتل وسبى الذُّرية، وغنم الأموال، ثم أقبل على اليمن، وخلف يعفر بن ذي أنس في اثنى عشر ألف فارس، وأمره ببناء مدينة هناك، فأقام سنة، وسمّاها باسم الرائيش، ففي ذلك يقول برق بن سعد بن عمرو بن ذي أنس:
من ذا من الناس له مَالَنا ... من عرب الناس ومِن أعجم
سار بنا الرائيش في جحفل ... مثل مغيض السيل كالأنجم
يؤم أرض الهند غازِ لها ... يخترق الأمواج كالضَّيغَم
والدر والياقوت من فوقها ... وسبي أبكارٍ بها تسوم
إلى أولى الغايات من ملكها ... يحصدهم حصد الهباء المضوّم
أعنى به يعفُر إذ جاءها ... يا حبذا ذلك من مقدم
في بحرها المنشور يطويهم ... يوم وغُولُ الملك المعلم
فصبح الهند له وقعة ... هدت قواها بالقوى الصيَّلم
فأنفص الرائيش أملاكها ... وآب بالخيرات والأنُعم
قال سله معاوية: فما صنع الرائش بعد؟ قال: أقام دهرا حتى أتته هدية من أرض بابل. أهداها له ملكها. قال: ولم؟ وقد كان في عُزلة من أرض بابل؟ قال: يهادي الملوكُ بعضها بعضا مداراةً له لما كان من أمره في الهند. قال: وما كانت الهدية؟ قال: كانت بُراة بيضاء، وسروجا كراما، وديباجا فاخرا، وآنية من متاع الملوك، فلما رآه قال: أكل ما أراه في بلادكم؟ قال: بعضُه أيها الملك. وبعضه في بلاد الترك، وهم أمة من ورائنا. قال الرائيش: لنغزون الأرض التي فيها ما أرى، فاستخلف يَعفر بن عمرو على اليمن، وسار بنفسه في مائة ألف وخمسين ألف فارس، وقدم الرجال في ابتغاء الطريق، فلم يجد طريقا هو خيرا له ولا أسهل من طريق أخذه على جبل طيئ حتى خرج على ما بين العراق والجزيرة. وقد سألت عن ذلك فبلغني أنه خرج على الأنبار من أرض العراق. قال يعاد به وينبت الأنبارُ يومئذ قال: وقبل ذلك وسار من هنالك حتى نزل الجبل من أرض الموصل، وبعث شمر بن الغطاف بن المثار بن عمرو بن ذي أنس في مائة ألف حتى دخل أذربيجان، فلقي فيها ملك الترك فقتله، وغنم ماله وبلاده ثم أقبل شهر بن العطاف إلى الرائيش، وأمر فكتب في حجرين أمر مسيرة فهما اليوم على جدار في طرق أذربيجان.
يسمى طريق الحجرين. قال: وما بال أذربيجان؟ قال: كانت من أرض الترك وبها اجتمعوا له قال: فأين كان ملك بابل عنه؟ قال: كانت لحمير عدة والله أني لأستحي من ذكرها. وكانت تنزع إلى اليمنللأولاد والأوطان. وكانوا إذا ظفروا وقتلوا ودخلوا البلاد وأهدى بعضهم إلى بعض قَبِل وصُرِف عن المُهدى إليه إلى غيره.
قال معاوية فمن القائل منهم:
بنو مهليل انتخبوا وساروا ... وخطوا البيت في البلد الحرام
قال ذلك الرائيش. قال: قال: قال الرائيش، وهو الحارث:
أنا الملك المقدّم والمسامي ... جلبت الخيل من يَمنٍ وشام
لأغزوا أعبُدًا جهلوا مكاني ... بأرض الشرق من شرَّ الأنام
فنحكم في بلادهم بحكم ... سواء لا يجاوز للأثام
بنو مهليل انتجعوا وساروا ... وخطَّوا البيت في البلد الحرام
بإذن الله خُط وكان بيتا ... توارثه الهُمام عن الهمام
دعوا أحداثه لبني أبيكم ... وكونوا مثل قحطانٍ وسام
وكونوا مثل ملطاط بن عمرو ... وذي أنس الكرام ذوي السنام
وكونوا مثل جُرهُمْ أو نَبيتٍ ... أو الضرار أو مثل الغرام
ملوك الناس أسلافا تولوا ... ويخلف بعدهم نسلُ الكرام
بنته منزلا نزلوا وهيّوا ... وملكِ فوق أملاك الأنام
فإن أهلك ولم أرجع إليكم ... فقد هلك الملوك مِنَ آلِ سام
1 / 73