وحدث محمد بن حبيب الهاشمي، عن هاشم عن أبيه أنه قال: إنما وضعت الشُّعُوب والقَبَائِلُ، والعَمَائِرُ والبطون والأفخاذ والفصائل والعشائر على تركيب خَلْقِ الإنسان، فلذلك سمى الإنسان شُعُوبًا والشَّعب، لأن الجَسَد تشعب منه والقبائل وهو رأسه وهي الأطباق ثم العمائر وهو الصدر وفيه القلب. ثم البطون وهو البطن لأن فيه ما أستبطن الكَبِد والرَّئَة والطُّحال والأمعَاء، فصار مَسْكَنًا لها والفخذ أسفل البطن فصيلة: وهي الركبة لأنها انفصلت من الفخذ والعشائر: وهي الساقان والقدمان لأنها حَمَلت ما فوقها بالحُبِّ وحْسْن المعاشرة فلم يثقل عليها حمله.
وقال القَطَامِي: سميت العرب الشُّعُوب، لأنهم قيل لهم حين تَفَّرَقوا من أسماعيل بن إبراهيم، وقحطان بن هود بن عابر الشُّعُوب، وذلك حين تشعبوا. وقال الشاعر يذكر ذلك:
فَبادُوا بَعْدَ أمْنِهمُ وَكَانُوا ... شعوبا أشْعَبَت مِن بَعْدِ عاد
ثم القبائل حين تقابلوا ونظر بعضهم إلى بعض في حِلَّة واحدة، وكانوا كقبائل الرأس. العمائر: حين عَمَّرُوا الأرض وسَكَنُوها.
قال رجل من بني عمرو بن عامر ربيعة بن صعصعة يقال له فزارة لحَيَّيْن من محارب يقال لهما عامر ومساجم بالجحيم قال:
عمائِر من دون القَب يلِ أبُوُهم ... نَفَاهُم إلَيْنا عَامِرٌ وَمَسَاجِد
ضممناهم ضمَ الكريم بنانه ... فنحنُ لَهُم سِلْمُ وإن لم يُسَالِمُوا
وبدأت في الأنساب بذكر معد بن عدنان، وقدمته على يَعْربُ بن قَحْطَان إذ كان منهم خَاتَمُ النَّبَيَّين وإمام المرسلين، وسيد الأولين والآخرين محمد نبينا صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين وعترته المنتجبين. وإن كان بعضُ أهل النَّسَب قد قدَّموا يَعْرُب بن قَحْطَان على نَسَبِ مَعَدّ بن عَدْنَان وسائر إخوته من ولد إبراهيم ﵇، واحتج في ذلك بأن يَعْرُب بن قحطان أوّل من تكلم بالعربية حين تَبَلْبَلَت الأَلْسُن بِبَابل، وقد كان اللسان العربيّ من قبل ذلك في ولد إرم بن سام دون ولد أرْفَخْشَذ بن سام، فإنهم كانوا يتكلمون بالسُّرْيَانيُّة إلى زمن إبراهيم الخليل ﵇، ثم تعلمها إسماعيل ﵇ من جُرْهُم بن قَحْطان، وهم يومئذ بمكة، ولم يزل اللسان العربيْ في ولد إرم بن سام بن نوح إلى زمن هودٍ ﵇، وقوم عاد، وثمود بن عابر، وقحطان بن هود إلى زمن يَعْرُب بن قحطان، وتبَلْبَلت الألسن بِبَابل حِين جَمَعهم نُمْرُود بن كنعان بن ماش بن إرم بن سام بن نوح، وهو صاحب إبراهيم الخليل صلوات الله عليه، وهو الذي بنى الصَّرْحَ ببابل وملك خمسمائة سنة، وفي زمانه فَرَّق الله الألسنَة، وذلك أنه دعا الناس إلى عبادة الأوثان. وقد كانوا على الإسلام - فجمعهم ببِابل ودعاهم، ففعلوا وأجابوه، فأمسوا وكلامهم السُّرْيانّية، ثم أصبحوا وقد بَلْبَل الله ألسِنَتَهم، فجعل لا يَعْرفُ بعضهُم كلامَ بعض، فصار لبني سام ثمانية عشر لسانا ولبني حام ثمانية عشر لسانا ولبني يافث ستة وثلاثون لسانا، وفَهَّمَ الله يَعْرب بن قحطان العربيَّة، وهو أوّل من نَطَق بها، وفهمها الناس، وأول من فهمها من بعدهم جُرْهُم بن قَحْطان، وكانت جُرْهم والعَمَاليق وطَسْم وجَدِيس يتكلَّمون بهذا اللسان العربي ويعرب بن قحطان أول من تكلَّم بالعربية، وإلى اسمه نُسِبَ اللسان العربي وسمى عربيا إذ نسب إلى يَعْرُب بن قحطان. والدليل على أن أصل اللَّسان العربي اليَمَن دونَ غيرهم لأنهم يقال لهم العَرَب العَارَبَةِ، ويقال لغيرهم المُعَرَّبَة، يَزادُ الداخلة في العرب المتعلمة منهم، وكذلك معنى التَّفَعُّل في اللغة، يقال تَنَزَّرَ الرجل إذا دخل في نزار، وتمَضَّر إذا دخل في مُصرّ، وتَقَّيس إذا دخل في قَيْس. وقال ذو الرمة إذا ما تَمَضَّرْنا فَمَا النَّاسُ مْثلُنا.
1 / 40