يذكر بالخير لسانت بيف انتصافه للشاعر الوجداني ألفريد دي موسيه من زميله ومنافسه الشاعر الشهير لامارتين، وهو انتصاف قوامه الشجاعة الأدبية الجمة. وكم بودي أن أرى مثاله متكررا أمامنا، فتنصف مواهب شعراء الشباب بدل هذه الغيرة الحمقاء التي نراها من بعض الكهول والشيوخ شعراء ونقادا. وروح الإنصاف هذه ملموسة عند مطران، ولولاها لما أنصف مثلي في دوائر الخاصة على الأقل، فهذا فضل آخر لمطران كان له أثره البهيج في شعري بقدر ما كان لجحود البيئة عامة من آثار أخرى في شعري الثائر.
الشخصية الفنية الحرة - بل حسبي أن أقول الشخصية الفنية - هي أهم ما يقدسه مطران، وهي ما تعودت أن أقدسه في ذاتي وفي غيري صديقا كان أم خصيما، وما أعرف إلا الخصومة البريئة: خصومة التفكير، وأما ما عداها فليس أهلا لأن يعد خصومة، بل هو ما يزدرى وينسى. وهذه الشخصية الحرة هي روح شعري، وآبى أن ينكر علي استحقاق حريته، فقد عشت وما زلت أعيش تلميذا على الطبيعة وعلى الثقافة الإنسانية، أجمع بين الاعتداد بنفسي وبين نهم الفنان الذي لا يرضى عما بلغ من مستوى فني ولا تنتهي مطامحه، فهو يتشبث بمذهبه وباعتداده وبكرامته، ولكنه في الوقت ذاته يعزف عن التصنع الشائع وعن الادعاء الباطل وعن الكبرياء السخيفة، فهذه ألوان من التزوير التي تعادي روح الأدب الصميم، وما ابتلي أحد بها إلا كان شرا على الأدب والأدباء. وما ترجع المعارك الدامية المشبوبة الآن بين الأدباء عامة إلا إلى هذا الطراز من المتصنعين والأدعياء، بلغت ما بلغت مكانتهم وذكاؤهم وآثارهم، ومعظمهم ممن انغمسوا في السياسة انغماسا طغى على ضمائرهم وعلى موازينهم الأدبية.
وصفوة القول إن أثر مطران في شعري هو أثر عميق لأنه يرجع إلى طفولتي الأدبية ويصاحبني في جميع أدوار حياتي، وإذا كان استقلالي الأدبي متجليا الآن في أعمالي فهو في الوقت ذاته يمثل الاطراد الطبيعي للتعاليم الفنية التي تشربتها نفسي الصبية من ذلك الأستاذ العظيم، وما زالت تحرص عليها نفسي الكهلة الوفية ناظرة إلى آثار الصبا وإلى معلمي الأول بحنان عميق هو أشبه الشعور بالتقديس والعبادة.
Shafi da ba'a sani ba