ولا أبيح لنفسي التعليق على هذه القطعة الفريدة، فإن كل تعليق مهما دق لا يوفيها حقها، وإنما أقول لك: اقرأها مرة ثانية وثالثة فإنك ستلقى فيها فنونا من الغذاء الروحي، قلما تقع على مثلها في ديوان بجملته لشاعر آخر في عصر لم يعرف معظم شعرائه غير التقليد والمحاكاة، ولا عجب في ذلك فالشاعرية لا تتقيد بسن أو عصر أو ثقافة. •••
وبعد، فنريد أن نعرف هل في الديوان الأول للشاعر أبي شادي ما يدل على ولعه بالطبيعة وفنائه فيها هذا الفناء الذي يتجلى في مثل قصائده: بحر السماء، الأشعة الصادحة، أستاذي المصور، أمنا الأرض، الشروق الهادئ، حزن الفجر، صلاة الصباح، وغيرها من القصائد التي يندمج فيها بالطبيعة، وتندمج الطبيعة فيه؟ والجواب على ذلك هين سهل، فأنت إذا قرأت ديوان (أنداء الفجر) تستطيع أن تعثر للشاعر على مقطوعات هي في الواقع بذور صالحة لشغفه بالطبيعة، وعباداته إياها، فقصيدة «موسيقى الوجود» ليست إلا فناء أمام جمال الكون وجلاله وتقديسا لمظاهر الوجود الرائعة:
حدثوني عن الوجود المغني
كل ما فيه صادح يتغنى
من جماد ومن نبات وأحياء
فليس الغناء فيهن يفنى
وعجيب إذا تناءيت عني
لم أجد للغناء فيهن معنى
وإذا ما ظفرت منك بأنسي
صار هذا الوجود لحنا وفنا
Shafi da ba'a sani ba