72

ثم خطر لي أنني خلقت لدراسة علوم الزراعة والحيوان، فاقترحت على والدي أن أتمم الدراسة في كلية الزراعة العليا بدلا من التوظف بدواوين الحكومة.

ثم علمت يقينا أنني خلقت للأدب ولم أخلق لغيره، وأن التفاتي إلى الجندية والزراعة إنما كان التفاتا للأدب من طريق آخر: طريق الإنشاد الحماسي قبل المبارزة، وطريق الشغف بالأزهار وعامة الأحياء. •••

وكانت أسوان ميدانا لمختلف الجنود المصريين والسودانيين والإنجليز أيام حرب الدراويش، وكنا في المدرسة نؤلف الجيوش، ونتقاتل في الوقت المخصص للرياضة، وكنا نبدأ القتال بإنشاد الشعر الحماسي على سنة الفرسان الأقدمين كما قرأنا عنهم في كتب الملاحم والغزوات.

وشاقني أن أنظم الشعر لأنشده في هذه المواقف، فكان هذا في الواقع موطن هواي للجندية التي اعتقدت أنني خلقت لها، وللتقدم في صفوفها إلى مرتبة القيادة.

أما دراسة الزراعة فالذي حولني إليها شغفي بأزهار الحديقة المدرسية، وسائر الحدائق المحيطة بالمدينة الخالدة: مدينة أسوان.

وقد حولني إليها كذلك أن أسوان كانت معبر الطيور المهاجرة في أوائل الشتاء وأوائل الصيف، فلم تزل تلفتني هذه الظاهرة وتلفتني الظواهر الأخرى من قبيلها في طبائع الحيوان، حتى ظننت أنني خلقت للزراعة، ثم علمت الحقيقة من هداية وجداني، فأيقنت أن الولع بالشجر والطير إنما هو ولع بالوصف والتعاطف مع الحياة في شتى ظواهرها، فهو تمهيد للأدب وللهيام بالطبيعة كما يهيم بها الشعراء. •••

ولي أن أقول من باب المجاز القريب إلى الحقيقة إن حياتي الأدبية لم تخل من نضال الجندية، ولا من الغرس وتعهد الغراس الفكري من الجذور إلى الثمرات ...

فإذا سئلت: هل نجحت؟ وجب أن أبين في البداءة ماذا قصدت، ووجب أن يكون الجواب على وفاق المقصد المطلوب.

نجحت لأنني قصدت إلى العمل بالقلم، ووصلت في هذا العمل إلى نتيجة يحمدها الأديب العربي لنفسه، ويحمدها له قراؤه، ولا محل للدعوى والإنكار في هذا التقدير، فإنه مما يقدر بأرقام الحساب ولا يكتفى فيه بتقدير الآراء.

ولا أحسب أنني اعتمدت على المعجزات أو الغرائب في توفير أسباب هذا النجاح، ولكنني أحسب أنها أسباب طبيعية معروضة للعاملين في كل صناعة، يلتفتون إليها باستعدادهم لها، ويعينهم على الالتفات إليها نصح الناصح، وهداية الدليل. •••

Shafi da ba'a sani ba