51

وكنت في المدرسة من المعدودين بين المتقدمين في الخط، فلم تكن درجتي فيه تقل عن الدرجة العليا بأكثر من درجتين أو ثلاث.

ولكنني لم أكن من المتقدمين في صناعة البري، والقط، وتنويعها على حسب الحروف والخطوط ... وكنت أعول في هذه الصناعة على الأستاذ، وأحتفظ بأقلامه طوال العام، فلما تركت المدرسة لبثت برهة أنتفع بأقلامي المدرسية، ثم عدلت عنها مضطرا إلى الريشة المعدنية، ولم أزل أكتب بها في الدواوين، حتى اشتغلت بالصحافة، ووجدت الكلفة في الاستملاء، وحمل الدواة إلى كل جهة أذهب إليها، وأحتاج إلى الكتابة فيها ...

ولم يكن من اليسير أن أحصل على قلم «مداد» أو قلم «أمريكاني» كما كان يسمى في تلك الأيام، فلجأت إلى استخدام القلم الرصاص.

وأتعبني القلم الرصاص؛ لأنه ينقصف، ويؤلم الأصابع بضغطه، ويترك فيها مثل علامة السجدة في جباه المصلين، ولكنها علامة لا تنفع أصحابها كما تنفع علامة السجدة من ينتفعون بها في سوق الرياء!

فما هو إلا أن تيسر لي ثمن القلم المداد، أو القلم «الأمريكاني»، حتى استبدلته بأقلام الرصاص، وما زلت أكتب به إلى اليوم.

واتفق أنني عملت في عدة صحف صباحية على التوالي، فظهر لي أن المداد الأحمر «أريح» للنظر في ضياء الليل، فهو المداد الذي استعملته إلى عهد قريب ...

هل احتفظت بقلم من أقلامي هذه أو غيرها لمناسبة خاصة تهمني ذكراها؟ ...

نعم ... احتفظت بأقلام ثلاثة، كان لاحتفاظي بكل منها سبب وتاريخ، وكان كل منها باينا لصاحبيه في سببه وتاريخه ...

قلم منها احتفظت به لأنه كان هدية من إنسان أعزه، وكان قد كتب به قصيدة من شعري في وصف ليلة على النيل، ثم أهدى إلي القلم، والصحيفة المكتوبة بخطه.

وقلم ثان كتبت به الفصول الأولى من كتابي عن «ابن الرومي»، ثم أدركني وأدركه شؤم الرجل، وسوء طالعه، فدخلت السجن، ودخله معي حيث قضى فيه تسعة أشهر، ولكن في مخزن الأمانات!

Shafi da ba'a sani ba