158

فقال في هدوء: أقصد يا سيدي شيئا بسيطا وطبيعيا، لم يفت الوقت بعد، لا تدر حول نفسك هكذا من بعيد وتترك خصمك ينتزع منك كنزك، وتساعده على أن يأخذه منك، إذا كنت حقا تريد «منى» فاذهب من ساعتك هذه إلى بيتها وافتح لها صدرك، وإذا أردت أن تمثل دور دون كيشوت إلى نهايته فإنك تستطيع أن تركع تحت قدميها وتقبل طرف حلتها الحريرية وتقول لها: «ها أنا ذا أضع قلبي تحت قدميك.»

ورنت كلماته الساخرة في أذني قاسية؛ لأنها مثلت لي الحقيقة. ألم أمهد لخصمي أن ينفرد في الميدان وفررت إلى القاهرة بغير أن أوجه كلمة إلى منى؟

وأخذت أسأل نفسي عن السبب الذي يمنعني من أن أفتح صدري لها كما يقول صاحبي. أأخشى أن تسخر مني؟ أهذا ممكن؟ ولكن إذا كان هذا ما أخشى فلماذا لا أواجه الحقيقة وانتهى؟

وجلست صامتا أنظر إلى أمامي، وانصرف صاحبي إلى داخل المنزل وتركني وحدي، ولو كنت في تلك اللحظة أعرف ما أريد حقا لقمت مسرعا إلى بيت منى؛ لأقول لها ما كان يضطرم عند ذلك في صدري، من يستطيع أن يملأ قلبي سوى منى؟ من يمكن أن أعيش من أجله غيرها؟ رأيت مئات من الفتيات والسيدات وكنت بفضل مهنتي أختلط بطبقات الشعب على اختلافها، رأيت الحسان والأنيقات والغواني والمغامرات والمطلقات والخفرات من كل سن ولون، فلم أجد فيهن من تسترعي مني التفاتة، وفطومة التي كانت معي منذ ليلة! ألم تتجل لي الحقيقة واضحة عندما رأيتها ساحرة الحسن ولكنها مخيفة؟ ألم أعرف أنها لم تخلق لي ولم أخلق لها؛ لأنها لا تزيد على أنثى، ألم أقل لنفسي إن الحياة كلها لا تحتوي على فتاة غير منى؟ فماذا يجعلني أتردد؟

ودخل صديقي في تلك اللحظة حاملا معه بعض الفاكهة، واعتذر بأن الخادم في إجازة، يالللأنانية، لم أسأله عن صحة أمه التي عرفت في المرة الماضية أنها مريضة.

وقلت له: كيف حال عمتي؟

فأطرق قليلا وقال: في رحمة الله يا صديقي.

وأطرق حزينا.

فتمتمت قائلا: إنا لله وإنا إليه راجعون.

وشعرت بوخزة شديدة من الأسف كما عتبت في ضميري على أمي؛ لأنها لم تخبرني.

Shafi da ba'a sani ba