148

فقلت: أرجوك ألا ترهبني بسخريتك، فهل كنت لأترك منى وحيدة لرحمة قطيع من الذئاب.

فتبتسم قائلا: آه. هذا شيء آخر. أظنني بدأت أفهم، أنت تحبها؟

فقلت في جد: لا أكذبك، فأنت غير مخطئ.

فقال وما يزال باسما: وما هي الخطوة التالية؟

فقلت: لا شيء، سأسافر غدا صباحا.

فقال في دهشة: هكذا يفعل دون كيشوت!

فقلت: وما حيلتي؟ ماذا تفعل لو كنت في موقفي.

فقال وهو يقف: لست أدري تماما، ولكني كنت لا أسافر غدا إلى القاهرة، لم لا نذهب غدا إليها لتسألها بغير مقدمات: هل ترضى بك زوجا؟ أنت أصلح لها بغير شك من ذلك الشاب الأبله، ماذا تنتظر؟

فلم أجبه بشيء؛ لأني لم أجد شيئا أقوله، وأخذت أعيد السؤال نفسه، ولكني كنت مثل مذهول لا يعي ما يسمع.

ثم قمت ساهما وليس في ذهني فكرة، وأخذ صاحبي بذراعي حتى نزل معي إلى الباب بغير أن يقول أحدنا للآخر كلمة، وكنت ما أزال أفكر في السؤال الذي وجهه إلي ولم أهتد إلى جواب له، وكان هو كذلك يفكر ولكني لم أعرف فيم كان يفكر، ولما صافحته آخر الأمر طلبت منه أن يبلغ تحياتي للسيدة الكبيرة، وكانت دهشتي عظيمة عندما قال لي: إنها مريضة وإن الطبيب لا يسمح لأحد بزيارتها، وشعرت بخجل شديد وأنا أعتذر إليه من أني أخذت من وقته هذه الساعة لأحدثه عن نفسي وهو في مثل هذا الظرف القاسي، فلم يزد على أن أجابني قائلا: «حديثك عن نفسك أحب إلي، وماذا كنت تفيدني لو حدثتك أنا عن نفسي؟» هذا الصديق العجيب يسيطر على قلبه مثل هذه السيطرة كأنه عقل مجرد لا تتطوح به العواطف والميول، ولا يعصف به ضعف الإنسانية، ولولا أن له قلبا كبيرا يعرف كيف يواسي وكيف يشارك في الاهتمام بغيره، لقلت: إنه خلقة شاذة، ومهما يكن من أمري فقد انصرفت من عنده وأنا موزع القلب بين الإعجاب به والدهشة منه والحيرة بين التسليم بآرائه ورفضها.

Shafi da ba'a sani ba