وجاء الفراش يحمل القهوة فأتاح لي فرصة لتأمل صورة منى، لقد بدت لي في آخر مرة رأيتها فيها مثل الزهرة البديعة تظهر في بستان رائع من وراء السور الشائك، فرسمتها في قصيدتي وناجيتها كما أناجي الزهرة الجميلة التي لا أستطيع أن أمد إليها يدي، وها هي ذي الأيام تظهر لي أن ذلك الخاطر كان أصدق من نبوءة.
ولما رفعت بصري إلى الأستاذ علي مختار وجدته ينظر إلي فاحصا، فاعتراني شيء من الارتباك ولكني سارعت إلى التغلب عليه، وأخذ يسألني عن صاحبي عبد الحميد ففتح لي بابا واسعا من الحديث، وانطلقت أحدثه عن الاختلاف الذي بين نظرتي إلى الأمور وبين نظرته، بين الثورة السريعة وبين التطور الذي ينتظر مرور القرون قبل أن يهيئ الشعب للحرية.
وكان يستمع إلي في صمت كأنه يريد أن يسبر أغواري.
ولما فرغت من حديثي وجدته ما يزال ينظر إلي باسما وقال: أشكرك على الإسراع إلى إجابة رجائي، وأعتذر إليك من قلة المرتب الذي عرضته عليك.
فقلت مسرعا: هذا فوق الكفاية.
فتبسم قائلا: أنت رجل طيب فترضى هكذا سريعا، ولكن الجريدة تشق طريقها برغم كل شيء، وسنكبر معا.
فقلت متحمسا: أنا سعيد بأن أعمل معك يا سيدي.
فقال مبادرا: أحب أن أبين لك طريقتي في العمل حتى لا يداخلك شيء من سوء الظن عندما تعرف أنك ستبدأ عملك بقراءة البروفات، هذه هي طريقتي.
فقلت في سري: «هكذا أبدأ دائما: كتابة الأرقام على البالات هناك وقراءة البروفات هنا.»
وأخرجت من جيبي مجموعة من الأوراق فيها قصة جديدة، ومددت بها يدي نحوه.
Shafi da ba'a sani ba