غضة كالغصن الرطيب، في عينيها جذوة وخبرة، وفي شفتيها دعوة وابتسامة.
ولم تنس إلهام أن تقول: وهذا مفتاح بيت استأجرته لكما إذا تعبتما من اللف بالسيارة، تستطيعان دائما أن تستريحا فيه. ••• - إن أمك تلعب لعبة خطرة. - أعرف. - أترضين عن هذا؟ - إنها أمي. - فإن لم تكن أمك؟ - فهي امرأة تنتقم. - في شخص الابن؟ - الانتقام لا يعرف أين يقع. - إنه الشخص الذي سيصبح ناظر الوقف بعد أبيه. - ولكنه سيظل ابن أبيه إلى أن يصبح ناظرا للوقف. - قد يدمر هذا الوقف جميعه. - ولكنه سيظل محبا لأمي. - كانت تستطيع أن تجعل الأمر أكثر طبيعية. - دعوة وحفلة وتعرفه ويختار. - مثلا. - لفة طويلة. - خير من اللفة القصيرة. - ترين هذا؟ - لعلها خشيت أن يمنعه أبوه من حضور حفلاتها. - والآن؟ - الأب لا يعرف على الأقل. - ولكني أنا أعرف. - هل صحا ضميرك الآن؟ - إنه لم يمت تماما. - ولكنه يستطيع أن ينام حين يريد. - لعله الآن لا يريد أن ينام. - بل إنك تشعر أنك لم تقدم نصيحة للباشا من زمن بعيد. - ربما. - وتريد أن توهم نفسك أنك تؤدي واجبك. - ربما أيضا. - على حساب أمي. - إنها هي التي وضعت نفسها في هذا المكان. - تستطيع أن تفعل شيئا أحسن من هذا. - اقترحي. - قدم النصيحة ولا تذكر اسم أمي. - نصيحة لا بأس بها. - أليس كذلك؟ ••• - وماذا ترى؟ - الرأي دائما لسعادتك. - المسألة خطيرة. - ليست كما تتصور. إنه الشباب يأخذ مجراه. - أنا عندي الحل. - هكذا سريعا؟ - لقد كنت أفكر منذ زمن بعيد أن أرسله إلى الخارج ليتعلم. - فكرة لا بأس بها. - أعجل بها. - ولكن السفر للخارج لا يمنعه أن يسير في نفس الطريق. - هذا إذا كان وحده. - ومن سيكون معه؟ - أنت. - أنا؟ - أنت. - وأولادي وزوجتي؟ - في رعايتي. - وهل توافق الهانم على سفره؟ - إنني آمر ولا يعنيني موافقة أحد. - أفكر. - بل تسافر.
وأطرق صالح، ولم يكن محتاجا أن يقول ولم يكن نامق ينتظر منه قولا، ولكنه مع ذلك أحب أن يشفع أمره: أنت تعرف ثقتي فيك. - أنا تحت أمرك. - وأنت تعرف أن صحتي ساءت في هذه الأيام الأخيرة. - ليس إلى الدرجة التي تتصورها سعادتك. - أنا لست جاهلا، وأعرف تماما الأمراض التي أتعرض لها. - بل أعتقد أن سعادتك تتخوف أكثر من اللازم. - المهم أنني أعهد لك بنادر، في الخارج وفي الداخل إذا حصل شيء. - ربنا يطيل عمر سعادتك. - لم أعد صغيرا. - ربنا يطيل عمر سعادتك. - أنا أعرف مشاعرك جيدا. - أرجو ذلك. - نادر أمانة في عنقك.
ما أثقل الأمانة! هل أعرف كيف أرعى الأمانة؟! إنني أخون هذا الرجل؛ ليس أنا الذي أخونه، إنها زوجته تخونه معي وليس أنا الذي يخونه. ••• - أريد أن ألقاك في الحال.
وراحت تخلع ملابسها في عنف حتى لتوشك أن تمزقها، وتروح وتجيء في الحجرة كنمرة لا يستقر بها قرار من حبس تعانيه. - نادر وأنت مرة واحدة؟ - اهدئي. - كيف؟ - لا بد أن تهدئي. - اخلع ملابسك. - فقط اهدئي. - أريد أن أتشفى فيه، أريد أن أنتقم منه. - لقد كنت تنتقمين منه قبل أن يأمر بسفرنا. - اليوم الأسباب أقوى، اخلع ملابسك. ••• - ماذا سأفعل؟ - نادر لا بد أن يتعلم. - إنه يريد أن يحرمني منه. - نادر كان مرتبطا بك أكثر مما يجب. - إنني أمه. - ولكنك نسيت أن له أبا. - إن أباه نسي أنني إنسانة. - ألم تكن له أسباب؟
اخلع ملابسك، أريد أن أتشفى فيه، أريد أن أنتقم منه. - ليس هناك سبب يحرم إنسانة من حريتها. - ومع ذلك استطعت أن تمارسي حريتك. - لقد أرغمني على ذلك. - ترى ... - أكمل. - لا داعي. - إنني أعرف بقية الجملة. - فلماذا تريدينني أن أكملها؟ - لأتأكد. - قوليها إذن. - تريد أن تسأل لو كنت حرة هل كنت أختارك أم لا؟ - هذا هو السؤال. فما الإجابة؟ - لا أعرف. - أشكرك. - أعجبتك الإجابة؟ - لأنها صادقة. - والآن ماذا أفعل؟ - انتظري. - سنوات. - لا حيلة لنا إلا الانتظار. - خديجة. - ما لها؟ - ستسافر معك. - لا أظن. - هو الذي أمر بهذا. - والأولاد صغار. - بل هو يريدك أن تتفرغ لنادر. - ربما. - أتعرف نادر؟ - ليس إلى الدرجة التي كنت أرجوها. - هو في هذه الأيام لا يترك إلهام. - يجد عندها ما يسره. - وأنا لا أمنعه. - لأنك تريدين منه أن يحبك ولا يحب أحدا مثلك. - ذكاؤك فوق مستوى الشبهات. - هل ينفع مع نادر؟ - اكتب لي. - لا أستطيع. - اكتب لكريمة عن أخبارك وهي ستطلعني على الخطابات. •••
حين وصلت كريمة مع ابنتها منيرة إلى القصر صعدتا إلى الحريم، ولكن نادر لقيهما في الطريق فقد كان يأخذ سمته إلى الباب الخارجي. حلوة هذه الفتاة. لا عيب بها إلا أنها لا تترك أمها أبدا. أخاف أن أحادثها فتطلق أمها عني الأقاويل. وأنا لا أريد لهذه الأقاويل أن تنطلق.
أمسكت كريمة بذراع ابنتها وأوشكت أن تقرصها: سلمي وابتسمي.
يا لأحلامك يا أمي، إنه طائر لا يهدأ له جناح، طائر لا يستقر به حال، إنه لا يراني ، لا يعرفني، لا ينظر إلي، لو نظر لرأى في عيني الإعجاب به وأكاد أقول الحب له، ولكن أي شأن له بي؟ إنني لا أمثل في خاطره أي فكرة. إن عينيه تعبرانني كأنما لا يراني. - أهلا تنت كريمة، أهلا منيرة، من زمان لم أركما. - أنت مشغول الآن يا نادر. - عنك أنت يا تنت كريمة لا أقدر أن أنشغل. - فاسأل عنا يا أخي. - اسمعي، أنا مسافر لندن وليس من المعقول أن أسافر قبل أن أشوفك أنت ومنيرة. - عظيم، العشاء عندنا بعد باكر. - عظيم، ومن المدعوون؟ - عليك أنت أن تختار. - أولا تنت إلهام. - أمرك. - وطبعا إخوتي. - طبعا. - ونعيم؟ - ونعيم. - وطبعا منيرة.
وتبالغ كريمة في الضحك، وتضحك منيرة في سعادة. - وبعد ذلك اختاري أنت من تشائين. - أفكرك أم لست في حاجة إلى التفكير؟ - لا يمكن أن أنسى.
Shafi da ba'a sani ba