بسم الله الرحمن الرحيم
الآيات التي تأمر بالاتباع
وتنهى عن الابتداع
قال الله ﷿: (ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون وَيُؤتُونَ الزَكَاةَ وَاَلَذِينَ هم بآياتِنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي) إلى قوله: (فالذين آمنوا بِه وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذِي أنزل معه أولئك هم المفلحون) .
وقال تعالى: (واتبعوه لعلكم تهتدون) .
وقال تعالى: (إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذُنُوبَكُمْ) .
وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تَسْمَعُونَ) إلى قوله: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يُحْيكُم) .
وقال تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) .
وقال تعالى: (وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) .
وقال تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) .
1 / 63
وقال تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) .
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في قوله: (فردوه إلى الله والرسول) أي إلى ما قاله الله والرسول.
إلى غير ذلك من الآيات.
الأحاديث التي تأمر بالاتباع
وتنهى عن الابتداع
وعن عبد الله بن مسعود ﵁ قال: خط لنا رسول الله (خطًا، ثم قال: " هذا سبيل الله " ثم خط خطوطًا عن يمينه وعن شماله، ثم قال: " هذه سُبل، على كل سبيل منها شيطانٌ يدعو إليه " ثم قرأ " وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله " الآية.
وعن العرباض بن سارية ﵁، قال: صلى بنا رسول الله (
1 / 64
ذات يوم، ثم أقبل علينا بوجهه، فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب؛ فقال رجل: يا رسول الله، كأنها موعظة مُودِّع، فماذا تعهد إلينا؟ فقال: " أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبدًا حبشيًا؛ فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ. وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، أخرجه أبو داود والترمذي ".
وعن أبي هريرة ﵁، قال: قال رسول الله): " ذروني ما تركتكم فإنما هلك الذين من قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " متفق عليه.
وعن بلال بن الحارث أن النبي (قال له: " اعلم قال: ما اعلم يا رسول الله؟ قال: اعلم يا بلال. قال ذروني أعلم يا رسول الله؟ قال: إنه من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي فإن له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا، ومن ابتدع بدعة
1 / 65
ضلالة لا ترضى الله ورسوله كان عليه مثل آثام من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئًا ". رواه الترمذي.
فصل
في الأمر بلزوم السنة والجماعة
والنهي عن الفرقة
قال الله تعالى: (وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم) .
وعن ابن عمر ﵄: أن عمر ﵁ خطب بالجابية فقال: قام فينا رسول الله (خطيبًا فقال: " من أراد منكم بَحبوحَة الجنة فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد ". رواه الترمذي وصححه.
1 / 66
وقال رسول الله): " يد الله مع الجماعة، والشيطان مع من يخالف الجماعة ".
وعن أبي شريك ﵁، قال: سمعت رسول الله (يقول: " يد الله على الجماعة، فإذا شذ الشاذ منهم اختطفه الشيطان كما يخطف الذئب الشاة من الغنم ".
1 / 67
وعن معاذ ﵁ أن النبي (قال: " إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم، يأخذ الشاة القاصية النائية، فإياكم والشعاب، وعليكم بالجماعة والعامة والمسجد ".
وعن أبي ذر ﵁ عن النبي (قال: " اثنان خير من واحد، وثلاثة خير من اثنين، وأربعة خير من ثلاثة؛ فعليكم بالجماعة، فإن الله لم يجمع أمتي إلا على هدى ".
وعن عبد الله بن عمر ﵄، قال: قال رسول الله): " لَيَأتيَنَّ على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حَذوَ النَّعلِ بالنَّعلِ، حتى إن كان منهم من يأتي أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك.
1 / 68
وإن بني لإسرائيل تفرقوا اثنين وسبعين ملة، وستفترق أمتي على ثلاثة وسبعين فرقة، كلهم في النار إلا ملة واحدة " قالوا: من هي يا رسول الله قال: " ما أنا عليه وأصحابي " أخرجه أبو داود والترمذي.
ما جاء عن السلف في الأمر بالاتباع
وعن معاوية بن أبي سفيان: أنه قام في الناس خطيبًا، فقال: ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاثة وسبعين ملة، اثنان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة.
1 / 69
وقال عبد الله بن مسعود ﵁: الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة.. وقال أبي بن كعب ﵁: عليكم بالسبيل والسنة، فإنه ليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الرحمن ففاضت عيناه من خشية الله فمسته النار أبدًا. وإن اقتصادًا في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة.
وقال ابن عباس ﵄: النظر إلى الرجل من أهل السنة يدعو إلى السنة وينهى عن البدعة.
1 / 70
وقال أبو العالية: عليكم بالأمر الأول الذي كانوا عليه قبل أن يفترقوا.
وقال الأوزاعي ﵁: اصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكف عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح؛ فإنه يسعك ما وسعهم.
وقال الأوزاعي أيضًا: رأيت رب العزة في المنام، فقال لي: يا أبا عبد الرحمن، أنت الذي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فقلت: بفضلك يا رب. قلت: يا رب أَمتَّنِي على الإسلام، قال: وعلى السنة.
1 / 71
وقال أيوب: إني لأخبر بموت الرجل من أهل السنة، فكأني أفقد بعض أعضائي. وقال أيضًا: إن من سعادة الحدث والأعجمي أن يوفقهما الله لعالم من أهل السنة.
وقال ابن شوذب: إن من نعمة الله على الشاب إذا نسك أن يوافى صاحب سنة يحمله عليها.
وقال ابن أسباط: كان أبي قدريًا، وأخوالي روافض، فأنقذني الله بسفيان.
وقال معتمر بن سليمان: دخلت على أبي وأنا منكسر القلب،
1 / 72
فقال لي: مالك؟ قلت نعم: فقال لا تحزن عليه.
وقال سفيان الثوري: استوصوا بأهل السنة خيرًا، فإنهم غرباء.
وقال أبو بكر بن عياش: السنة في الإسلام أعز من الإسلام في سائر الأديان.
وقال الإمام الشافعي ﵁: إذا رأيت رجلًا من أصحاب الحديث، فكأني رأيت رجلًا من أصحاب رسول الله.
وقال الجنيد ﵀: الطرق كلها مسدودة إلا على المقتفين آثار رسول الله (والمتبعين سنته وطريقته، فإن طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه، كما قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) .
1 / 73
فصل
في ذم البدع والأهواء
الآيات التي تذم البدع والأهواء
قال الله تعالى: (ومن أضل مِمَّن اتبع هواه بغير هدى من الله) .
وقال تعالى: (ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله) .
الأحاديث التي تذم البدع والأهواء
وعن عائشة ﵂، قالت: قال رسول الله): " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد "، وفي رواية " من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد " متفق عليه.
وعن عبد الله بن عمر ﵄: عن النبي، أنه قال: " من رغب عن سنتي فليس مني ". أخرجه البخاري.
وعن ابن مسعود ﵁ قال: قال رسول الله: (" أنا فرطكم على الحوض ولَيَحْتَلِجن رجال دوني، فأقول:
1 / 74
يا رب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ". متفق عليه.
آثار السلف في ذم البدع والأهواء
وقال عبد الله بن محيريز: يذهب الدين سنة سنة كما يذهب الحبل قوة قوة.
وقال معاذ بن جبل: يفتح القرآن على الناس حتى تقرأه المرأة والصبي والرجل فيقول الرجل: قد قرأت القرآن فلم أتبع، والله لأقومن به فيهم لعلي أتبع، فيقوم به فيهم فلا يتبع: فيقول: قد قرأت القرآن فلم أتبع، وقمت به فيهم فلم أتبع لأحْتَضِرَنْ في بيتي مسجدًا فيحتضر في بيته مسجدًا، فلا يتبع، فيقول: لقد قرأت القرآن فلم أتبع، وقمت به فلم أتبع، وقد احْتَضَرْت في بيتي مسجدًا فلم أتبع. والله لآتينهم بحديث لا يجدونه في كتاب الله ولم يسمعوه من رسول الله (لعلي أتبع. فإياكم وما جاء به، فإن ما جاء به ضلالة.
وروى هذا الأثر أبو داود بلفظ آخر، فقال معاذ: إن من ورائكم فتنًا يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن، حتى يأخذه المؤمن والمنافق والرجل والمرأة والصغير والكبير والعبد والحر، فيوشك أن يقول قائل: ما للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن؟ ما هم بِمُتَّبِعيَّ حتى أبتدع
1 / 75
لهم غيره فإياكم وما ابتدع فإن ما ابتدع ضلالة، وأحذركم زيفة الحكيم، فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم. وقد يقول المنافق كلمة الحق.
وقال عبد الله: تعلموا العلم قبل أن يقبض، وقبضه أن يذهب أهله. ألا وإياكم والتنطع والتعمق والبدع، وعليكم بالعتيق.
وفي رواية أخرى: أيها الناس إنكم ستحدثون ويحدث لكم، فإذا رأيتم مُحَدَثَةً فعليكم بالأمر الأول.
وعن قيس بن أبي حازم، دخل أبو بكر ﵁ على امرأة من أحمس يقال لها زينب، فرآها لا تتكلم، فقال: ما لها؟ فقيل: حجت. فقال لها تكلمي فإن هذا لا يحل هذا من عمل الجاهلية.
وعن زياد بن حدير قال: قال عمر ﵁: هل تدري ما يهدم دين الإسلام؟ قلت: لا، قال: يهدمه زلة العالم، وجدال منافق
1 / 76
بالآيات، وحكم الأئمة المضلين.
وعن عمر ﵁ قال: سيأتي قوم يجادلونكم بشبهات القرآن، فخذوهم بالسنن، فإن أهل السنة أعلم بكتاب الله ﷿.
وعن عثمان الأزدي، قال: دخلت على ابن عباس ﵄، فقلت له: أوصني فقال: عليك بتقوى الله والاستقامة، اتبع ولا تبتدع.
وروى البيهقي عن ابن عباس ﵄ أنه قال: إن أبغض الأمور إلى الله تعالى البدع، وإن من البدع الاعتكاف في المساجد التي في الدور.
وروى أبو داود في سننه عن حذيفة ﵁، قال: كل عبادة لم يتعبد بها أصحاب رسول الله (فلا تتعبدوا بها؛ فإن الأول لم يدع للآخر مقالًا؛ فاتقوا الله يا معشر القراء، خذوا طريق من كان قبلكم.
1 / 77
ومن كلام عمر بن عبد العزيز ﵀: أوصيكم بتقوى الله، والاقتصاد في أمره، واتباع أمر رسول الله (، وترك ما أحدث المحدثون بعده.
وقال ابن سيرين ﵀: ما أحدث رجل بدعة فراجع سنة.
أعمال صاحب البدعة لا تقبل حتى يدعها
وقال الحسن: لا يقبل الله لصاحب البدعة صومًا، ولا صلاة ولا حجًا، ولا عمرة، حتى يدعها.
وقال محمد بن أسلم: من وقر صاحب بدعة، فقد أعان على هدم الإسلام.
1 / 78
وقال أبو مغشر: سألت إبراهيم عن شيء من هذه الأهواء، فقال: ما جعل الله في شيء منها مثقال ذرة من خير، ما هي إلا نزغة من الشيطان، عليك بأول الأمر.
وعن ابن عمر ﵁، قال: كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة.
وقال عمر: كان طاووس جالسًا يومًا وعنده ابنه، فجاء رجل من المعتزلة، فتكلم في شيء، فأدخل طاووس إصبعيه في أذنيه، وقال: يا بني أدخل إصبعك في أذنيك حتى لا تسمع من قوله شيئًا؛ فإن هذا القلب ضعيف. ثم قال: أي بني أشدد، فما زال يقول أشدد حتى قام الرجل.
1 / 79
مقاطعة وتجنب من يترددون على الفرق المخالفة لأهل السنة مثل المرجئة
وعن محمد العيني، قال: كان رجل معنا يختلف إلى إبراهيم، فبلغ إبراهيم أنه دخل في الإرجاء، فقال إبراهيم: إذا قمت من عندنا فلا تعد.
وقال محمد بن داود الحرائي: قلت لسفيان بن عيينة: إن هذا يتكلم في القدر - يعني إبراهيم بن أبي يحيى - فقال سفيان: عرفوا الناس أمره، واسألوا ربكم العافية.
وقال صالح المري: دخل رجل على ابن سيرين وأنا شاهد، فتح بابًا من أبواب القدر، فتكلم فيه. وقال ابن سيرين: إما أن تقوم وإما أن نقوم.
1 / 80
وقال سلام بن مطيع: قال رجل من أهل الأهواء لأيوب: لا أكلمه بكلمة، فقال: ولا بنصف كلمة.
وقال أيوب ما ازداد صاحب بدعة اجتهادًا إلا ازداد من الله بعدًا.
البدعة أحب إلى إبليس من المعصية
وقال سفيان الثوري ﵀: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، المعصية يُتاب منها، والبدعة لا يُتابُ منها.
وقال: من سمع مبتدعًا لم ينفعه الله بما سمع، ومن صافحه فقد نقض الإسلام عروة عروة.
ولما مرض سليمان الهيثمي بكى بكاء شديدًا فقيل له: ما يبكيك؟ الجزع من الموت؟ فقال: لا، ولكن مررت على قدري فسلمت عليه فأخاف أن يحاسبني ربي عليه.
وقال الفضيل بن عياض: من جلس إلى صاحب بدعة أحبط الله عمله، وأخرج نور الإيمان - أو قال الإسلام - من قبله.
وقال: إذا رأيت مبتدعًا في طريق فخذ في طريق آخر، ولا يرفع لصاحب بدعة إلى الله عمل، ومن أعان صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام.
وقال: من زَوَّج
1 / 81
كريمته من مبتدع فقد قطع رحمها.
وقال: من جلس مع صاحب بدعة لم يعط الحكمة، وإذا علم الله من رجل أنه مبغض لصاحب بدعة رجوت أن يغفر الله له! وقال محمد بن نصر الحارثي: من أصغى بسمعه إلى صاحب بدعة نُزعت منه العصمة، ووكل إلى نفسه.
وقال الليث بن سعد: لو رأيت صاحب هوى يمشي على الماء ما قبلته.
وقال الإمام الشافعي ﵁: أما إنه قد قصد لو رأيته يمشي في الهواء ما قبلته.
وسأل رجل عمر بن عبد العزيز عن الأهواء، فقال: الزم دين الصبي في المكتب، والْهُ عما سوى ذلك.
1 / 82