2
أولادها، وجعلوا ينظرون فيما يحسن بهم عمله في تلك الأحوال: هل يعودون إلى بلادهم بخفارة الأمير عمر ورجاله، أو يبقون عندهم إلى أن تنجلي تلك الغياهب وتطمئن الخواطر. فقالت الأميرة سلمى وكان لها الرأي المعلى: إن الفتنة لا تزال قائمة في بلادنا، فلا نكون بمأمن فيها، ولا يليق بنا أن نكلف الأمير عمر الذهاب إليها في هذه الأوقات، ورأيي يا أماه أن نبقى هنا إلى أواخر فصل الخريف، وحينئذ يرحل الأمير عمر من هذا الجبل إلى بلاد الساحل فنطلب منه أن يوصلنا إلى دمشق، وقلبي يحدثني أن قنصل الإنكليز في بيروت سيبحث عنا ويعرف مقرنا، ويرسل إلينا من يردنا إلى بيروت إن لم يأت هو بنفسه إلينا، والعرب على تمام الوفاق مع الإنكليز؛ لأنهم ينقلون لهم البريد بطريق البر إلى خليج العجم، وقد سمعت تشرشل بك يتكلم مع أبي في هذا الموضوع لما زارنا آخر مرة.
فقالت الأميرة هند: فهمت مرادك، فأنت تعنين السر هنري الذي زارنا مع ابن خالتك لا قنصل الإنكليز نفسه، لماذا تظنين أنه يبحث عنا؟ وكيف يستطيع أن يهتدي إلينا إذا كانت حاصبيا قد احترقت الآن كما يظن؟ ولنسمع ما يقوله أخواك وصبيهما.
فقال الأخوان إنهما يفضلان البقاء عند الأمير عمر إلى أن يفرجها ربنا، وأما صبيهما فارتأى أن يرسل رسول من العرب لأخبار الأمير أحمد وهو يدبر طريقة لحمايتهم، وكادت الأميرة هند توافق على هذا الرأي، ولكن الأميرة سلمى رفضته ووافقها أخواها؛ لأنهما كانا يكرهان ابن خالتهما ويقولان إنه متكبر مدع.
واشتد الجدال بين الأميرة هند وأمها وبين الأخوين وصبيهما، وأخيرا قالت الأميرة سلمى: ما ضرنا يا أماه لو انتظرنا شهرا من الزمان إلى أن يفرجها الله؟! فإننا لم نر من الأمير عمر وأمه وأهل قبيلته كلهم إلا كل إكرام، ولا أظن أنهم يسمحون لنا بالرحيل عنهم الآن ما دامت القلاقل قائمة في جبل لبنان وكل البلاد المجاورة له.
ودنا أخواها من أمهما وأخذا يديها يقبلانهما، ويقولان: نعم يا أماه مثل ما تقول سلمى، نبقى هنا، ونحرس تربة والدنا إلى فصل الشتاء ثم نرحل مع الأمير. ففاضت الدموع من عيني الأميرة هند لما قال ولداها ذلك وصمتت هنيهة، ثم قالت: مثلما يريد الله. ولم يقل صبيهما شيئا بل عزم أن يرسل رسولا يخبر الأمير أحمد كيفما كانت الحال، وكان الأمير أحمد يكرمه ويواصله بالهدايا، وأعطاه مرة خنجرا محلى بالذهب وملقطا من الفضة لمسك السيكارة قصد استمالته إليه؛ حتى يمدحه أمام الأميرة سلمى كلما ذكر اسمه، ولما رآها الآن تشير إلى السر هنري أوجس شرا، وكانت الظنون قد خامرت نفسه قبل الآن، واطلع الأمير أحمد عليها، لكنه خاف أن يطلب من الأمير عمر إرسال الرسول لئلا يرفض ذلك ويعاتب الأميرة هند، فعزم أن يتصاحب مع غيره من الأمراء، ويرسل رسولا من رجالهم.
وألفت الأميرة سلمى الأميرة عاتكة أم الأمير عمر، وجعلت تجلس في مضربها ساعة بعد ساعة تسمع منها أخبار العرب وقصصهم عن الجن والغيلان والحروب والغزوات، وأخذ أخواها يخرجان مع الأمير عمر للصيد والقنص، وطابت لهما الإقامة هناك، أما الأميرة هند فاستوحشت كثيرا لبعد كل أقاربها عنها.
الفصل الثامن والعشرون
خطر غير منتظر
مضى على قبائل العرب أكثر من أربعة آلاف سنة من حين ورد ذكرهم في التاريخ المكتوب والمنقوش، وهم رحل يعيشون بالغزو والنهب وتربية المواشي وحمل بضائع التجار ولم تتغير حالهم.
Shafi da ba'a sani ba