بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الجزء الأول
قال الشيخ أبو على إسماعيل بن القاسم القالى البغدادى ﵀: الحمد لله الذى جل عن شبه الخليقة، وتعالى عن الأفعال القبيحة؛ وتنزه عن الجور، وتكبر عن الظلم؛ وعدل فى أحكامه، وأحسن إلى عباده؛ وتفرد بالبقاء، وتوحد بالكبرياء، ودبر بلا وزير، وقهر بلا معين؛ الأول بلا غاية، والآخر بلا نهاية؛ الذى عزب عن الأفهام تحديده، وتعذر على الأوهام تكييفه؛ وعميت عن إدراكه الأبصار، وتحيرت فى عظمته الأفكار؛ الشاهد لكل نجوى، السامع لكل شكوى، والكاشف لكل بلوى؛ الذى لا يحويه مكان، ولا يشتمل عليه زمان، ولا ينتقل من حال إلى حال؛ القادر الذى لا يدركه العجز، والعالم الذى لا يلحقه الجهل؛ والجواد الذى لا ينزح، والعزيز الذى لا يخضع؛ والجبار الذى قامت السموات بأمره، ورجفت الجبال من خشيته.
والحمد لله الذى بعث محمدًا ﷺ بالدلائل الواضحة، والحجج القاطعة، والبراهين الساطعة؛ بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إليه بإذنه وسراجا منيرا؛ فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونهض بالحجة، ودعاء إلى الحق، وحض على الصدق؛ ﷺ.
ثم أما بعد حمد الله والثناء عليه، والصلاة على خير البشر ﷺ، فإنى لما رأيت العلم أنفس بضاعة، أيقنت أن طلبه أفضل تجارة؛ فاغتربت للرواية، ولزمت العلماء للدراية. ثم أعلمت نفسى في جمعه، وشغلت ذهنى بحفظه؛ حى حويت خطيره، وأحرزت رفيعه، ورويت جليله، وعرفت دقيقه؛ وعقلت شارده، ورويت نادره، وعلمت غامضه، ووعيت واضحه، ثم صنته بالكتمان عمن لا يعرف مقداره، ونزهته عن الإذاعة عند من يجهل مكانه؛ وجعلت غرضى أن أودعه من يستحقه، وأبديه لمن يعلم فضله، وأجلبه إلى من يعرف محله؛ وأنشره عند من يشرفه، وأقصد به من يعظمه؛ إذ بائع الجوهر وهو حجر يصونه بأجود صوان، ويودعه أفضل مكان؛ ويقصد به من يجزل ثمنه، ويحمله
1 / 1
إلى من يعرف قدره؛ على أنه لا يستحق بسببه أن يوصف بالفضل بائعه ولا مشتريه، ولا يستوجب أن يحمد من أجل المبالغة فى ثمنه مقتنيه، والعلم يذكر بالرجاحة طالبه، وينعت بالنباهة صاحبه ويستحق الحمد عند كل العقلاء حاويه، ويستوجب الثناء من جميع الفضلاء واعيه، ويفيد أسنى الشرف مشرفه ويكتسب أبقى الفخر معظمه فغبرت برهة ألتمس بنشره موضعا، ومكثت دهرا أطلب لإذاعته مكانا، وبقيت مدة أبتغى له مشرفا وأقمت زمنًا ارتدى له مشتريا، حتى تواترت الأنباء المتفقة وتتابعت الصفاة الملتئمة التى لا تخالجها الشكوك ولا تمازجها الظنون، بأنه مشرفه فى عصره، أفضل من ملك الورى، وأكرم من جاد البللهى، وأجود من تعمم وارتدى، وأمجد من ركب ومشى، وأسود من أمر ونهى، سمام العدى، فياض الندى، ماضى العزيمة، مهذب الخليقة، محكم الرأى صادق الوأى، باذل الأموال، محقق الآمال، مفشى المواهب، معطى الرغائب أمير المؤمنين، وحافظ المسلمين، وقامع المشركين، ودامغ المارقين، وابن عم خاتم النبيين، محمد ﷺ، (عبد الرحمن بن محمد) محيى المكارم، ومبتنى المفاخر، الذى إذا رضا غنى، وإذا غضب أردى، وإذا دعا أجاب، وإذا استصرخ أغاث. وأن معظمه مشتريه، وجامعه ومقتنيه، ربيع العفاة، وسم العداة، ذو الفضل والتمام، والعقل والكمال، المعطى قبل السؤال، والمنير قبل أن يستنال (الحكم) ولى عهد المسلمين، وابن سيد العالمين أمير المؤمنين (عبد الرحمن بن محمد) الإمام العادل، والخليفة الفاضل، الذى لم يرى فيما مضى من الأمراء شبهه، ولا نشأ فى الأزمنة من الكرماء مثله، ولا ولد نساء من الأجواد نظيره، ولا ملك العباد من الفضلاء عديله، فخرجت جائدًا بنفسى، باذلا لحشاشتى، أجوب متونا قفارى، وأخوض بحج البحار، وأركب الفلوات، وأقتحم الغمرات، مؤملا أن أوصل العلق النفيس إلى من يعرفه، وأنشر المتاع الخطير ببلد من يعظمه، وأشرف الشريف باسم من يشرفه، وأعرض الرفيع على من يشتريه، وأبذل الجليل لمن يجمعه ويغتنيه، فمن الله جل وعز بالسلامة، وحبا تعالى ذكره بالعافية، حتى حللت بعصرة الخواف، وعصمة المضافى، والمحل الممرع، والربيع المخصب، فناء أمير المؤمنين (عبد الرحمن بن محمد) المبارك الطلعة، ميمون الغرة، الجم الفواضل، الكثير النوافل، الغيث فى المحل، الثمال فى الأزل، البدر الطالع، الصبح الساطع، الضوء اللامع، أسراج الزاهر،
1 / 2
السحاب الماطر، الذى نصر الدين، وأعز المسلمين، وأذل المشركين، وقمع الطغاة، وأباة العصاة، وأطفىء نار النفاق، وأهمد جمر الشقاق، وذلل من الخلق من تجبر، وسهل من الأمر ما توعد، ولما الشعث، وأمن السبل، وحقن الدماء. أبقاه الله سالمًا فى جسمه، معافًا فى بدنه، مسرورًا بأيامه، مبتهجًا بزمانه، وخصه بطول المدة، وتتابع النعمة، وأبقى خلفته، وأدام عافيته، وتولى حفظه، ولا أزال عنا ظله. وصحبت الحيا المحسب والجواد المفضل، الذى إذا وعد وفى، وإذا أوعد عفا، وإذا وهب أسنع، وإذا أعطى أقنع، (الحكم) فرأيته - أيده الله - أجَّل الناس بعد أبيه خطره وأرفعه بقدره، وأوسعهم كنفا، وأفضلهم سلفا، وأغذرهم علما، وأعظمهم حلما، يملك غضبه فلا يعجل، ويعطى على العلاة فلا يمل، مع فهم ثاقب، ولب راجح، ولسان عضب، وقلب ندب، فتابعا لدى النعمة، وواترا على الإحسان، حتى أبديت ما كنت له كاتما، ونشرت ما كنت له طاويا، وبذلت ما كنت به ضنينا، ومذلت بما كنت عليه شحيحا، فأمللت هذا الكتاب من حفظا فى الأخمسة بقرطبة، وفى المسجد الجامع بالزهراء المباركة، وأودعته فنون من الأخبار، وضروبا من الأشعار
وأنواع من الأمثال، وغرائب من اللغات، على أنى لم أذكر فيه بابًا فى اللغة إلا أشبعته، ولا ضربًا من الشعر إلا اخترته، ولا فنًا من الخبر إلا انختلته ولا نوعًا من المعاناة والمثل إلا اسجبته، ثم لم أخله من غريب القرآن، وحديث الرسول ﷺ، على أننى أوردت فيه من الإبدال ما لم يورده أحد وفسرت فيه من الإتباع ما لم يفسره بشر، ليكون الكتاب الذى استنبطه إحسان الخليفة جامعا، والديوان الذى ذكر فيه اسم الإمام كاملا، وأسأل الله عصمة من الزيغ والأشر، وأعوذ به من العجب والبطر، وأستهديله السبيل الأرشد، والطريق الأقصد. من الأمثال، وغرائب من اللغات، على أنى لم أذكر فيه بابًا فى اللغة إلا أشبعته، ولا ضربًا من الشعر إلا اخترته، ولا فنًا من الخبر إلا انختلته ولا نوعًا من المعاناة والمثل إلا اسجبته، ثم لم أخله من غريب القرآن، وحديث الرسول ﷺ، على أننى أوردت فيه من الإبدال ما لم يورده أحد وفسرت فيه من الإتباع ما لم يفسره بشر، ليكون الكتاب الذى استنبطه إحسان الخليفة جامعا، والديوان الذى ذكر فيه اسم الإمام كاملا، وأسأل الله عصمة من الزيغ والأشر، وأعوذ به من العجب والبطر، وأستهديله السبيل الأرشد، والطريق الأقصد.
1 / 3
مطلب الكلام عَلَى مادة نسأ وقوله تعالى ﴿مَا نَنْسَخْ﴾ [البقرة: ١٠٦] الآية. ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ﴾ [التوبة: ٣٧] الآية
قَالَ أَبُو إِسْمَاعِيل بْن القاسم البغدادى: قرأ أَبُو عمرو بْن العلاء: ما ننسخ من آيةٍ أو ننسأها.
عَلَى معنى أو نؤخرها.
والعرب تَقُولُ: نسأ اللَّه فِي أجلك، وأنسأ اللَّه أجلك، أي أخر أجلك.
وقَالَ النَّبِيّ ﷺ: من سَرَّه النَّساء فِي الأجل، والسعة فِي الرزق، فليصل رحمه والنساء: التاخير، يُقَال: بعته بنساء وبنسيئة، أي بتأخير، وأنسأته البيع.
وقَالَ اللَّه ﷿: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ﴾ [التوبة: ٣٧]، والمعنى فِيهِ عَلَى ما
حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، ﵀: أنهم كانوا إذا صدروا عَنْ منى قام رَجُل من بنى كنانة يُقَال لَهُ: نعيم بْن ثعلبة، فقَالَ: أَنَا الذى لا أعاب، ولا يرد لى قضاء، فيقولون لَهُ: أنسئنا شهرًا، أى أخر عنا حرمة المحرم فاجعلها فِي صفرٍ، وذلك أنهم كانوا يكرهون أن تتوالى عليهم ثلاثة أشهر لا تمكنهم الإغارة فيها، لأن معاشهم كَانَ من الإغارة، فيحل لهم المحرم ويحرم عليهم صفرا، فإذا كَانَ فِي السنة المقبلة حرم عليهم المحرم وأحل لهم صفرا، فقَالَ اللَّه ﷿: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ﴾ [التوبة: ٣٧]، وقَالَ الشاعر:
ألسنا الناسئين عَلَى معد ... شهور الحل نجعلها حراما
وقَالَ الآخر:
وكنا الناسئين عَلَى معد ... شهورهم الحرام إِلَى الحليل
وقَالَ الآخر:
نسئوا الشهور بها وكانوا أهلها ... من قبلكم والعز لم يتحول
مطلب الكلام عَلَى مادة لحن وقوله تعالى ﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ﴾ [محمد: ٣٠]
قَالَ أَبُو بَكْر الأنباري، ﵀: معنى قوله ﷿: ﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ﴾ [محمد: ٣٠] أى فِي معنى القول، وفى مذهب القول وأنشد للقتال الكلابى:
ولقد لحنت لكم لكيما تفهموا ... ووحيت وحيا لَيْسَ بالمرتاب
1 / 4
معناه: ولقد بينت لكم: واللحن بفتح الحاء: الفطنة، وربما أسكنوا الحاء فِي الفطنة، ورجل لحن، أى فطن، قَالَ لبيد يصف كاتبا:
متعود لحن يعيد بكفه ... قلما عَلَى عسب ذبلن وبان
وَمِنَ اللَّحْنِ الْحديث الَّذِي يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَيْهِ فِي مَوَارِيثَ وَأَشْيَاءَ قَدْ دَرَسَتْ، فقَالَ ﵇: لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ الآخَرِ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الرَّجُلَيْنِ: يَا رَسُولَ اللهِ، حَقِّي هَذَا لِصَاحِبِي، فَقَالَ: لا وَلَكِنِ اذْهَبَا فَتَوَخَّيَا ثُمَّ اسْتَهِمَا ثُمَّ لِيُحَلِّلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ.
ومنه قول عمر بْن عَبْد العزيز ﵀: عجبت لمن لاحن الناس كيف لا يعرف جوامع الكلم! أى فاطنهم.
وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْر، عَنْ أبى الْعَبَّاس، عَنِ ابن الأعرابى، قَالَ: يُقَال: قد لحن الرجل يلحن لحنًا فهو لاحِن إذا أخطأ، ولحن يلحن لحنا فهو لحن، إذا أصاب وفطن، وأنشد
وحديث ألذه هُوَ مما تشتهيه ... النفوس يوزن وزنا
منطق صائب وتلحن أحيانا ... وخير الحديث ما كَانَ لحنا
معناه: وتصيب أحيانا
وَحَدَّثَنِي أَيْضًا، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الأَصْمَعِيُّ، عَنْ عِيسَى بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ لِلنَّاسِ: كَيْفَ ابْنُ زِيَادٍ فِيكُمْ "؟ قَالُوا: ظَرِيفٌ عَلَى أَنَّهُ يَلْحَنُ، قَالَ: " فَذَاكَ أَظْرَفُ لَهُ، ذَهَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى اللَّحْنِ الَّذِي هُوَ الْفِطْنَةُ، وَذَهَبُوا هُمْ إِلَى اللَّحْنِ الَّذِي هُوَ الْخَطَأُ واللحن أيضًا: اللغة، ذكره الأصمعى، وأَبُو زيد؛ ومنه قول عُمَر بْن الْخَطّاب رضى اللَّه تعالى عَنْهُ: تعلموا الفرائض والسنن واللحن كما تعلمون القرآن.
فاللحن: اللغة وروى شريك عَنْ أبى إِسْحَاق عَنْ ميسرة أنّهُ قَالَ فِي قوله ﷿: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ﴾ [سبأ: ١٦]: العرم: المسناة بلحن اليمن، أى بلغة اليمن، وقَالَ الشاعر
وما هاج هذا الشوق إلا حمامة ... تغنت عَلَى خضراء سمر قيودها
صدوح الضحى معروفة اللحن لم تزل ... تقود الهوى من مسعد ويقودها
1 / 5
وقَالَ الآخر:
لقد تركت فؤادك مستجنا ... مطوقة عَلَى فننٍ تغنى
يميل بها وتركبه بلحن ... إذا ما عَنَّ للمحزون أَنَّا
فلا يحزنك أيام تولى ... تذكرها ولا طير أرنا
وقَالَ الآخر:
وهاتفين بشجوٍ بعد ما سجعت ... ورق الحمام بترجيع وإرنان
باتا عَلَى غصن بان فِي ذرى فننٍ ... يرددان لحونا ذات ألوان
معناه: يرددان لغاتٍ، وصرف أَبُو زيد منه فعلا فقَالَ: لحن الرجل يلحن لحنا إذا تكلم بلغته، قَالَ: ويقَالَ: لحنت لَهُ لحنًا إذا قلت لَهُ قولا يفهمه عنك ويخفى عَلَى غيره، ولحنه عنى لحنا، أي فهمه، وألحنته أَنَا إياه إلحانا، وهذا مذهب أبى بَكْر بْن دريد فِي تفسير قول الشاعر:
منطق صائب وتلحن أحيانا
قَالَ: يريد: تعوص فِي حديثها فتزيله عَنْ جهينة لئلا يفهمه الحاضرون، ثم قَالَ. . . وخير الحديث ما كَانَ لحنا أي خير الحديث ما فهمه صاحبك الذى تحب إفهامه وحده، وخفى عَلَى غيره.
قَالَ: وأصل اللحن أن تريد الشىء فتورى عَنْهُ بقول آخر، كقول رَجُل من بنى العنبر كَانَ أسيرا فِي بَكْر بْن وائل، فسألهم رسولا إِلَى قومه، فقالوا لَهُ: لا ترسل إلا بحضرتنا، لأنهم كانوا أزمعوا غزو قومه فخافوا أن ينذر عليهم، فجىء بعبد أسود فقَالَ لَهُ: أتعقل؟ قَالَ: نعم إنى لعاقل، قَالَ: ما أراك عاقلًا؛ ثم قَالَ: ما هذا؟ وأشار بيده إِلَى الليل، فقَالَ: هذا الليل، فقَالَ: أراك عاقلًا، ثم ملأ كفيه من الرمل فقَالَ: كم هذا؟ فقَالَ: لا أدرى وإنه لكثير، فقَالَ: أيهما أكثر، النجوم أو النيران؟ فقَالَ: كل كثير، فقَالَ: أبلغ قومى التحية وقل لهم: ليكرموا فلانا يعنى أسيرا كَانَ فِي أيديهم من بَكْر بْن وائل، فإن قومه لى مكرمون، وقل لهم: إن العرفج قد أدبى وقد شكت النساء، وأمرهم أن يعروا ناقتى الحمراء فقد أطالوا ركوبها، وأن يركبوا جملى الأصهب بآية ما أكلت معكم حيسا؛ واسألوا الحارث عَنْ خبرى.
فلما أدى العبد الرسالة إليهم قَالُوا: لقد جن الأعور، والله ما نعرف لَهُ
1 / 6
ناقة حمراء، ولا جملا أصهب؛ ثم سرحوا العبد ودعوا الحارث فقصوا عليه القصة، فقَالَ: قد أنذركم.
أما قوله: قد أدبى العرفج: فإنه يريد أن الرجال قد استلأموا، أى لبسوا الدروع.
وقوله: شكت النساء، أى اتخذن الشكاء للسفر.
وقوله: ناقتى الحمراء: أى ارتحلوا عَنِ الدهناء واركبوا الصمان وهو الجمل الأصهب.
وقوله: بآية ما أكلت معكم حيسًا: يريد اخلاطا من الناس قد غزوكم، لأن الحيس يجمع التمر والسمن والأقط.
فامتثلوا ما قَالَ وعرفوا فحوى كلامه.
وأخذ هذا المعنى أيضًا رَجُل من بْني تميمٍ كَانَ أسيرا فكتب إِلَى قومه:
حلو عَنِ الناقة الحمراء أرحلكم ... والبازل الأصهب المعقول فاصطنعوا
إن الذئاب قد اخضرت براثنها ... والناس كلهم بَكْر إذا شبعوا
يريد أن الناس كلهم إذا أخصبوا عدو لكم كبكر بْن وائل.
ومعنى صائب، عَلَى مذهب أبى الْعَبَّاس فِي البيت: قاصد، كما قَالَ
جميل وما صائب من نابلٍ قذفت بِهِ ... يد وممر العقدتين وثيق
فيكون معنى قوله: منطق صائب، أى قاصد للصواب وإن لم يصب؛ وتلحن أحيانا، أى تصيب وتفطن؛ ثم قَالَ: وخير الحديث ما كَانَ لحنًا أى إصابة وفطنة
مطلب الكلام عَلَى مادة حرد ومعنى قوله تعالى: ﴿وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ﴾ [القلم: ٢٥]
ومعنى قوله جل وعز: ﴿وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ﴾ [القلم: ٢٥] أى عَلَى قصد، قَالَ الجُميح:
أما إذا حردت حردى فمجرية ... ضبطاء تسكن غيلًا غير مقروب
أى قصدت قصدى.
وقَالَ الآخر:
أقبل سيل جاء من أمر اللَّه ... يحرد حرد الجنة المغله
أى يقصد قصدها.
وقَالَ أَبُو عبيدة: معنى قوله: ﴿عَلَى حَرْدٍ﴾ [القلم: ٢٥] أى عَلَى غضب وحقد.
وأجاز ما ذكرناه.
قَالَ: ويجوز أن يكون ﴿عَلَى حَرْدٍ﴾ [القلم: ٢٥] معناه عَلَى منع، واحتج بقول العباس بْن مرداس السلمى:
وحارب فإن مولاك حارد نصره ... ففى السيف مولى نصره لا يحارد
1 / 7
وحارد عندى فِي هذا البيت بمعنى قلَّ، يُقَال: حاردت الإبل إذا قلت ألبانها، قَالَ الكميت:
وحاردت النكد الجلاد ولم يكن ... لعقبة قدر المستعرين معقب
ويقَالَ حرد الرجل حردا بفتح الراء؛ ومن العرب من يَقُولُ: حرد الرجل حردا بتسكين الراء إذا غضب، وأنشد أَبُو عبيدة للأشهب بْن رميلة
اسود شرى لاقت أسود خفيةٍ ... تساقوا عَلَى حرد دماء الأساود
مطلب تفسير الغريب من حديث السحابة
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دُرَيْدٍ، ﵀، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَفْصٍ سَمْعَانُ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الضَّرِيرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ حَبِيبِ بْنِ الْمُهَلَّبِ، عَنْ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّمِيمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ جَالِسٌ مَعَ أَصْحَابِهِ إِذْ نَشَأَتْ سَحَابَةٌ، فَقَالُوا: يا رَسُولَ اللهِ، هَذِهِ سَحَابَةٌ، فَقَالَ: «كَيْفَ تَرَوْنَ قَوَاعِدَهَا؟» .
قَالُوا: مَا أَحْسَنَهَا وَأَشَدَّ تَمَكُّنَهَا! قَالَ: «وَكَيْفَ تَرَوْنَ رَحَاهَا؟» .
قَالُوا: مَا أَحْسَنَهَا وَأَشَدَّ اسْتِدَارَتَهَا! قَالَ: «وَكَيْفَ تَرَوْنَ بَوَاسِقَهَا؟» .
قَالُوا: مَا أَحْسَنَهَا وَأَشَدَّ اسْتِقَامَتِهَا! قَالَ: «وَكَيْفَ تَرَوْنَ بَرْقَهَا أَوَمِيضًا أَمْ خَفِيًّا أَمْ يَشُقُّ شَقًّا؟» .
قَالُوا: بَلْ يَشُقُّ شَقًّا، قَالَ: «فَكَيْفَ تَرَوْنَ جَوْنَهَا؟» .
قَالُوا: مَا أَحْسَنَهُ وَأَشَدَّ سَوَادَهُ! فقَالَ ﵇: «الْحَيَا» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا رَأَيْنَا الَّذِي هُوَ مِنْكَ أَفْصَحُ، قَالَ: «وَمَا يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا أُنْزِلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِي لِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ» قواعدها، أسافلها: واحدتها قاعدة، فأما القواعد من النساء فواحدتها قاعد، وهى التى قعدت عَنِ الولد وذهب حرم الصلاة عَنْهَا.
ورحاها: وسطها ومعظمها، وكذلك رحى الحرب: وسطها ومعظمها حيث استدار القوم، قَالَ الشاعر:
فدارت رحانا بفرسانهم ... فعادوا كَانَ لم يكونوا رميما
وبواسقها: ما علا منها وارتفع، واحدتها باسقة، وكل شيء ارتفع وطال فقد بسق، يُقَال: قد بسقت النخلة، قَالَ اللَّه ﷿: ﴿وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ﴾ [ق: ١٠] وكذلك بسق النبت، فكثر فِي كلامهم
1 / 8
حتى قَالُوا: بسق فلان عَلَى قومه، أى علاهم فِي الشرف والكرم.
والوميض: اللمع الخفى، قَالَ امرؤ القيس:
أعنى عَلَى برقٍ أراه وميض ... يضىء حبيا فِي شمارخ بيض
ويقَالَ: أومض البرق يومض إيماضًا إذا لمع لمعا خفيًا، وأومض بعينه إذا غمز بعينيه.
والخفى.
البرق الضعيف، قَالَ أَبُو عمرو: خفى البرق يخفى خفيًا إذا برق برقا ضعيفًا؛ وقَالَ الكسائى: خفا يخفو خفوا.
وجونها: أسودها، والجون: من الأضداد، يكون الأسود ويكون الأبيض، قَالَ الأصمعى: وأتى الحجاج بدرع وكانت صافية بيضاء، فجعل لا يرى صفاءها، فقَالَ لَهُ رَجُل وكان فصيحا، قَالَ أَبُو عمرو: وهو أنيس الجرميُّ إن الشمس جونة، يعنى: شديدة البريق والصفاء، فقد غلب صفاؤها بياض الدرع، وأنشد:
يبادر الآثار أن تئوبا ... وحاجب الجونة أن يغيبا
وأنشد أَبُو عبيدة:
غير يا بِنْت الحليس لونى ... طول الليالى واختلاف الجون
وسفر كَانَ قليل الأون
أي الفتور وقَالَ الفرزدق يصف قصرًا أبيض:
وجون عَلَيْهِ الجص فِيهِ مريضة ... تطلع منها النفس والموت حاضره
والحيا مقصور: الغيث والخصب، وجمعه أحياء، قَالَ الأخطل:
ربيع حيا ما يستقل بحمله ... سوم ولا مستنكش البحر ناضبه
وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، ﵀،
إنا ملوك حيا للتابعين لنا ... مثل الربيع إذا ما نبته نضرا
مبحث الكلام عَلَى غريب حديث أحرم ما بين لابتي المدينة
وَقُرِئَ
عَلَى أَبِي بَكْرٍ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ الْبُهْلُولِ الأَزْرَقِ، فِي مَسْجِدِ الرُّصَافَةِ وَأَنَا أَسْمَعُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لابَتَيِ الْمَدِينَةِ أَنْ يُقْطَعَ عِضَاهُهَا أَوْ يُقْتَلَ صَيْدُهَا»، وَقَالَ: «الْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، لا يَخْرُجُ مِنْهَا أَحَدٌ رَغْبَةً عَنْهَا إِلا أَبْدَلَ اللَّهُ
1 / 9
فِيهَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَلا يَصْبِرُ أَحَدٌ عَلَى لأْوَائِهَا وَجَهْدِهَا إِلا كُنْتُ شَهِيدًا، أَوْ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» هكذا سَمِعْتُ بلا لَهُ اللابة واللوبة: الحرة، فمن قَالَ لابة، قَالَ فِي جمعها: لاب، ومن قَالَ: لوبة، قَالَ فِي الجمع: لوب، قَالَ سلامة بْن جندل:
حتى تركنا وما تثنى ظعائننا ... يأخذن بين سواد الخط فاللوب
والعضاه: كل شجر لَهُ شوك يعظم، ومن أعرف ذَلِكَ: الطلح والسلم والسيال والعرفط والسمر والشبهان والكنهبل، والواحدة عضة، قَالَ الراعي:
وخادع المجد أقوام لهم ورق ... راح العضاه بِهِ والعرق مدخول
واللاواء: الشدة، قَالَ رؤبة:
لاواءها والأزل والمظاظا
الأزل: الضيق.
والمظاظ: المشارة، يُقَال: ماظظت فلانا مماظة ومظاظا.
مبحث الكلام عَلَى غريب ألم أخبر أنك تقوم الليل إلخ
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: وَقُرِئَ عَلَى الأَزْرَقِ، وَأَنَا أَسْمَعُ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مَطَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ» .
فَقُلْتُ: إِنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ، فَقَالَ: «إِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ عَيْنَاكَ، وَنَفِهَتْ نَفْسُكَ، إِنَّ لِعَيْنِكَ حَقًّا، وَلأَهْلِكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ حَقًّا، فَقُمْ وَنَمْ، وَصُمْ وَأَفْطِرْ» قال أبو على: قَالَ أَبُو عمرو الشيبانى: هجمت عينه، وخوصت، وقدحت ونقنقت عينه نقنقة: كل ذَلِكَ إذا غارت.
وقَالَ الأصمعى: حجلت عينه وهجمت: كلاهما غارت.
وجاء حاجلةً عينه، وأنشد:
وأهلك مهر أبيك الدواء ... لَيْسَ لَهُ من طعام نصيب
فتصبح حاجلةً عينه ... لحنو استه وصلاه غيوب
1 / 10
وحاجلة: من حجلت بالتخفيف، والأكثر حجلت بالتشديد فهى محجلة.
ونفهت: أعيت، ويقَالَ للمعي: نافه ومنفه، وجمع النافة نفه، قَالَ رؤبة، يعنى قفرا: بِهِ تمطت غول كل ميله بنا حراجيج المهارى النفه.
والميله: الذى يوله سالكه، أى يحيره.
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دُرَيْدٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ قَرِيبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا يَدْعُو اللَّهَ وَهُوَ يَقُولُ: «هَرَبْتُ إِلَيْكَ بِنَفْسِي يَا مَلْجَأَ الْهَارِبِينَ بِأَثْقَالِ الذُّنُوبِ أَحْمِلُهَا عَلَى ظَهْرِي، لا أَجِدُ شَافِعًا إِلَيْكَ إلا مَعْرِفَتِي بِأَنَّكَ أَكْرَمُ مَنْ قَصَدَ إِلَيْهِ الْمُضْطَرُّونَ، وَأَمَّلَ فِيمَا لَدَيْهِ الرَّاغِبُونَ، يَا مَنْ فَتَقَ الْعُقُولَ بِمَعْرِفَتِهِ، وَأَطْلَقَ الأَلْسُنَ بِحَمْدِهِ، وَجَعَلَ مَا امْتَنَّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى خَلْقِهِ كِفَاءً لِتَأْدِيَةِ حَقِّهِ، وَلا تَجْعَلْ لِلْهَوَى عَلَى عَقْلِي سَبِيلا، وَلا لِلْبَاطِلِ عَلَى عَمَلِي دَلِيلا»
مطلب الكلام عَلَى خطبة عَبْد الملك لما دخل الكوفة بعد قتل مصعب بْن الزبير
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْر، قَالَ: أَخْبَرَنَا السكن بْن سَعِيد، عَنْ مُحَمَّد بْن عباد، عَنِ ابن الكلبى، عَنْ أبِيهِ، قَالَ: لما قتل عَبْد الملك مصعب بْن الزبير دخل الكوفة، فصعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عَلَيْهِ، وصلى عَلَى النَّبِيّ مُحَمَّد صلى اللَّه وعليه وسلم، ثم قَالَ: أيها الناس، إن الحرب صعبة مرة، وإن السلم أمن ومسرة، وقد زبنتنا الحرب وزبناها، فعرفناها وألفناها، فنحن بنوها وهى أمنا.
أيها الناس فاستقيموا عَلَى سبل الهدى، ودعوا الأهواء المردية، وتجنبوا فراق جماعات المسلمين، ولا تكلفونا أعمال المهاجرين الأولين، وأنتم لا تعملون أعمالهم، ولا أظنكم تزدادون بعد الموعظة إلا شرًا، ولن تزداد بعد الإعذار إليكم والحجة عليكم إلا عقوبة، فمن شاء منكم أن يعود بعد لمثلها فليعد، فإنما مثلى ومثلكم كما قَالَ قيس بْن رفاعة:
من يصل نارى بلا ذنب ولا ترة ... يصل بنار كريمٍ غير غدار
أَنَا النذير لكم منى مجاهرةً ... كى لا ألام عَلَى نهىٍ وإنذار
فإن عصيتم مقالى اليوم فاعترفوا ... أن سوف تلقون خزيا ظاهر العار
لترجعن أحاديثًا ملعنةً ... لهو المقيم ولهو المدلج الساري
1 / 11
من كَانَ فِي نفسه حوجاء يطلبها ... عندى فإنى لَهُ رهن بإصحار
أقيم عوجته إن كَانَ ذا عوج ... كما يقوم قدح النبعة البارى
وصاحب الوتر لَيْسَ الدهر مدركه ... عندى وإنى لدراك بأوتار
: قوله: زبنتنا الحرب وزبناها، أي دفعتنا ودفعناها، والزبن: الدفع، ومنه اشتقاق الزبانية، لأنهم يدفعون أهل النار إِلَى النار، ومنه قِيلَ: حرب زبون، قَالَ الشاعر:
عدتنى عَنْ زيارتها العوادى ... وحالت دونها حرب زبون
عدتنى: صرفتنى، والعوادى: الصوارف، والزبون من النوق التى ترمح عند الحلب.
والخزى: الهوان، يُقَال: خزى يخزى خزيًا، والخزاية: الاستحياء، يُقَال خزي يخزي خزاية.
والمدلج: الَّذِي يسير من أول الليل، يُقَال: أدلجت، أى سرت من أول الليل، فأنا مدلج، وأدلجت، أى سرت فِي آخره، فأنا مدلج، والدلجة والدلج بفتح الدال: سير آخر الليل، والإدلاج: من أول الليل، ويقَالَ الدلج والدلجة: سير الليل كله، قَالَ الراجز: كأنها وقد براها الإخماس ودلج الليل وهاد قياس شرائج النبع براها القواس والدلجة بضم الدال: من آخره، ومن الناس من يجيز الدلجة والدلجة فِي كل واحد منهما، كما قَالُوا: برهة من الدهر وبرهة، قَالَ زيد الخيل:
يا بنى الصيداء ردوا فرسى ... إنما يفعل هذا بالدليل
عودوه مثل ما عودته ... دلج الليل وإبطاء القتيل
ويروي: دلج: جمع دلجة.
والساري: الَّذِي يسير بالليل، يُقَال سريت فأنا سارٍ، أى سرت ليلا، وأسريت أيضًا، ويروى بيت النابغة عَلَى وجهين:
سرت عليه من الجوزاء سارية ... تزجي الشمال عَلَيْهِ جامد البرد
وأسرت
1 / 12
والسرى: سير الليل.
والحوجاء: الحاجة: والعوج: فِي كل ما كان منتصبا مثل الْإِنْسَان والعصا وما أشبههما، والعوج: فِي الدين والأمر وما أشبههما.
والوتر: الذحل بكسر الواو لا غير، والوتر بفتح الواو وكسرها: الفرد، ويقرأ ﴿وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ [الفجر: ٣] والوتر، الفتح لغة أهل الحجاز، والكسر لغة تميم وأسد وقيس، ويقولون فِي الوتر الَّذِي هُوَ الفرد: أوترت فأنا أوتر إيتارا، وفى الدحل: وترته، فأنا أتره وترا وترة.
مطلب خروج عَبْد الملك بنفسه لقتال مصعب بْن الزبير
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَان، قَالَ: أَخْبَرَنِي العتبى، عَنْ أبِيهِ: أن عَبْد الملك بْن مروان، ﵀، كَانَ يوجه إِلَى مصعب جيشا بعد جيش فيهزمون، فلما طال ذَلِكَ عَلَيْهِ واشتد غمه أمر الناس فعسكروا ودعا بسلاحه فلبسه، فلما أراد الركوب قامت إلَيْهِ أم يزيد ابنه وهي عاتكة بِنْت يزيد بن معاوية، فقَالَت: يا أمير المؤمنين، لو أقمت وبعثت إلَيْهِ لكان الرأى، فقَالَ: ما إِلَى ذَلِكَ من سبيل، فلم تزل تمشى معه وتكلمه حتى قرب من الباب، فلما يئست منه رجعت فبكت وبكى حشمها معها، فلما علا الصوت رجع إليها عَبْد الملك فقَالَ: وأنت أيضًا ممن يبكى! قاتل اللَّه كثيرًا، كأنه كان يرى يومنا هذا حيث يَقُولُ:
إذا ما أراد الغزو لم تثن همه ... حصان عليها نظم در يزينها
نهته فلما لم تر النهي عاقه ... بكت فبكى مما شجاها قطينها
ثم عزم عليها بالسكوت وخرج.
وبعد هذين البيتين يَقُولُ:
ولم يثنه يوم الصبابة بثها ... غداة استهلت بالدموع شئونها
ولكن مضى ذو مرةٍ متثبت ... بسنة حق واضحٍ مستبينها
وفى عَبْد الملك يَقُولُ كثير:
أحاطت يداه بالخلافة بعد ما ... أراد رجال آخرون اغتيالها
وفى هذه القصيدة يَقُولُ فِيهِ أيضًا:
فما أسلموها عنوة عَنْ مودةٍ ... ولكن بحد المشرفى استقالها
1 / 13
وكنت إذا نابتك يوما ملمة ... نبلت لها أَبَا الوليد نبالها
سموت فأدركت العلاء وإنما ... يلقى عليات العلا من سما لها
وصلت فنالت كفك المجد كله ... ولم تبلغ الأيدي السوامي مصالها
وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بن دريد، ﵀، قَالَ: حَدَّثَنَا السكن بْن سَعِيد، عَنْ مُحَمَّد بْن عباد، عَنْ هشام، قَالَ: قَالَ الْعَبَّاس بْن عَبْد الوليد عَبْد الملك لمسلمة بْن عَبْد الملك:
ألا تقنى الحياء أَبَا سَعِيد ... وتقصر عَنْ ملاحاتى وعذلى
فلولا أن أصلك حين تنمى ... وفرعك منتهي فرعى واصلى
وأنى إن رميتك هضت عظمى ... ونالتنى إذا نالتك نبلى
لقد أنكرتنى إنكار خوف ... يضم حشاك عَنْ شتمي وأكلى
كقول المرء عمروٍ فِي القوافى ... لقيسٍ حين خالف كل عدل
عذيرى من خليلى من مرادٍ ... أريد حياته ويريد قتلى
يريد: عمرو بْن معد يكرب، وقيس بْن مكشوح
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْر قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَن، عَنْ عمه، قَالَ: حَدَّثَنِي من سَمِعَ أعرابيا يَقُولُ لصديق لَهُ: «دع ما يسبق إِلَى القلوب إنكاره، وإن كَانَ عندك اعتذاره، فليس من حكى عنك نكرا توسعه فيك عذرا»
قَالَ: وأَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَن، عَنْ عمه، قَالَ: قَالَ أعرابى كبير السن: «أصبحت والله تقيدني الشعره، وأعثر بالبعرة، وقد أقام الدهر صعرى بعد أن أقمت صعره» الصعر الميل
وأنشدنا أَبُو بَكْر، قَالَ: أنشدنا عَبْد الرحمن، عَنْ عَمْهُ، قَالَ: أنشدنا بعض أهل المدينة لخارجة بْن فليح المللى:
ألا طرقتنا والرفاق هجود ... فباتت بعلات النوال تجود
ألا طرقت ليلى لقى بين أرحل ... شجاه الهوى والنأي فهو عميد
1 / 14
فليت النوى لم تسحق الخرق بيننا ... وليت الخيال المستراث يعود
إذا لأقاد النفس من فجعة الهوى ... بليلى وروعات الفؤاد مقيد
كأن الدموع الواكفات بذكرها ... إذا أسلمتهن الجفون فريد
إذا أدبرت بالشوق أعقاب ليلة ... أتاك بها يوم أغر جديد
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعى، قَالَ: كتب عَبْد الملك بْن مروان إِلَى الحجاج: أنت عندى كسالمٍ، فلم يدر ما هُوَ، فكتب إِلَى قتيبة يسأله، فكتب إليه: إن الشاعر يَقُولُ:
يديروننى عَنْ سالم وأديرهم ... وجلدة بين الأنف والعين سالم
ثم كتب إلَيْهِ مرة أخرى: أنت عندى قدح ابن مقبل، فلم يدر ما هُوَ، فكتب إِلَى قتيبة يسأله، وكان قتيبة قد روى الشعر، فكتب إلَيْهِ: إن ابن مقبل نعت قدحًا لَهُ فقَالَ:
غدا وهو مجدول وراح كأنه ... من المش والتقليب بالكف أفطح
خروج من الغمى إذا صك صكة ... بدا والعيون المستكفة تلمح
المش: المسح قَالَ امرؤ القيس:
نمش بأعراف الجياد أكفنا ... إذا نَحْنُ قمنا عَنْ شواء مضهب
والغمى: الشدة التي تغم، أى تغطى.
والمستكفة من قولهم: استكففت الشىء إذا وضعت يدك عَلَى حاجبك تنظر هَلْ تراه، كالذى يستظل من الشمس.
وقَالَ الأصمعى: من أمثال العرب: العير أوقى لدمه ويقَالَ: ذَلِكَ للرجل، أي إنّهُ أشد إبقاء عَلَى نفسه، ويقَالَ: الرباح من السماح يريد أن المسامح أحرى أن يربح، ويقَالَ: عَبْد صريخه أمة يضرب مثلا للضعيف يستصرخ بِمِثْلِهِ
وقرأنا عَلَى أَبِي بَكْر دريد قول الشاعر:
ولقد مررت عَلَى قطيع هالك ... من مال اشعث ذى عيالٍ مصرم
من بعد ما اعتلت عَلَيَّ مطيتى ... فأزحت علتها فظلت ترتمى
القطيع: السوط.
والهالك: الضائع.
يَقُولُ: كانت ناقتى قد اعتلت عَلَى، فلما أصبت السوط فضربتها بِهِ ظلت ترتمى، أى تترامى فِي سيرها
1 / 15
وَحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ الأَعْرَابِيِّ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَكْتُوبٌ فِي الْحِكْمَةِ «يَا بُنَيَّ، لِتَكُنْ كَلِمَتُكَ طَيِّبَةً وَوَجْهُكَ بِسْطًا، تَكُنْ أَحَبَّ إِلَى النَّاسِ مِمَّنُ يُعْطِيهِمُ الْعَطَاءَ»
وأنشدنا أَبُو عَبْد اللَّه:
وكم من مليمٍ لم يصب بملامةٍ ... ومتبع بالذنب لَيْسَ لَهُ ذنب
وكم من محب صد من غير بغضةٍ ... وإن لم يكن فِي ود خلته عتب
مطلب تفسير ما جاء من الغريب فِي حديث البنات الثلاث اللاتي وصفن ما يحببن من الأزواج
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن دريد، قَالَ: أَخْبَرَنِي عمى، عَنْ أبِيهِ، عَنِ ابن الكلبى، قَالَ: " قَالَت عجوز من العرب لثلاث بناتٍ لها: صفن ما تحببن من الأزواج، فقَالَت الكبرى: أريد أروع بساما، أحذ مجذاما، سيد ناديه، وثمال عافيه، ومحسب راجيه، فناؤه رحب، وقياده صعب.
وقَالَت الوسطى: أريد عالي السناء، مصمم المضاء، عظيم نار، متمم أيسار، يفيد ويبيد، ويبدئ ويعيد، هُوَ فِي الأهل صبىّ، وفي الجيش كمي، تستعبده الحليله، وتسوده الفضيله.
وقَالَت الصغرى: أريده بازل عام، كالمهند الصمصام، قرانه حبور، ولقاؤه سرور، إن ضم قضقض، وإن دسر أغمض، وإن أخل أحمض.
قَالَت أمها: فض فوك! لقد فررت لى شرة الشباب جذعةً " قَالَ أَبُو زيد: الأروع والنجيب واحد، وهما الكريم، وقَالَ غيره: الأروع: الَّذِي يروعك جماله.
والأحذ ههنا: الخفيف السريع، والأحذ أيضًا: الخفيف الذنب، ومنه قِيلَ: قطاة حذاء.
وقَالَ أَبُو بَكْرِ بن دريد: الحذذ: الخفة والسرعة، والقطاة الحذاء: السريعة الطيران، ويقَالَ: القليلة ريش الذنب، وحذ
الشىء يحذه حذا، إذا قطعه سريعا، الخذة: القطعة من اللحم، وأنشد الأعشى:
تكفيه حذة فلذٍ إن ألم بها ... من الشواء ويروي شربه الغمر
قَالَ: ويروي حزة فلذٍ.
وقَالَ أَبُو عبيدة فِي قول عتبة بْن غزوان حين خطب الناس فقَالَ:
إن الدنيا قد آذنت بصرم وولت حذاء ... فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء.
قَالَ أَبُو عمرو وغيره:
1 / 16
الحذاء: السريعة الخفيفة التى قد انقطع آخرها، ومنه قِيلَ للقطاة: حذاء لقصر ذنبها مَعَ خفتها، وقَالَ النابغة الذبيانى:
حذاء مدبرةً سكاء مقبلةً ... للماء فِي النحر منها نوطة عجب
قَالَ: ومن هذا قِيلَ للحمار القصير الذنب أحذّ: أصل هذه الكلمة عندى الخفة، ولم أسمع فِي بيت أعشى باهلة حذة فلذ بالذال إلا من أَبِي بَكْر، فإن صحت هذه الرواية فلا تكون الحذة إلا القطعة الخفيفة.
والمجذام: مفعال من الجذم، والجذم: القطع، يريد أنّهُ قطاع الأمور.
والنادى والندى: المجلس.
والثمال: الغياث، وثمال القوم غياثهم ومن يقوم بأمرهم، يُقَال: فلان ثمال لبنى فلان إذا كَانَ يقوم بأمرهم، ويكون أصلا لهم وغياثا، ويقَالَ: هُوَ يثملهم، والمرأة تثمل الصبيان أى تكون أصلا لهم، قَالَ الحطيئة:
فدى لابن حصنٍ ما أريح فإنه ... ثمال اليتامى عصمة فِي المهالك
والثمل ساكنة الميم: المقام والخفض، يُقَال: ليست دارنا بدار ثملٍ، قَالَ أسامة بْن الحارث الهذلى:
كفيت النسا نسال حر وديقةٍ ... إذا سكن الثمل الظباء الكواسع
كفيت النسا، أى سريع العدو، وتلخيص معناه أن تَقُولُ: الكفيت: السريع.
والنسا: عرق فِي الفخذ يجرى إِلَى الساق، فكأنه قَالَ: سريع الرجل وإذا كان سريع الرجل كان ريع العدو.
والكواسع: التى تكسع بأذنابها من الذباب، ويقَالَ: اختار فلان دار الثمل، أى دار الخفض والمقام، وثمل فلان فما يبرح.
والثميلة: البقية تبقى من العلف والماء فِي بطن البعير وغيره، والجميع الثمائل، قَالَ ذو الرمة: وأدرك المتبقى من ثميلته ومن ثمائلها واستنشئ الغرب والثميلة: البقية تنقى من الماء فِي الصخرة أو الوادى، وقد قَالُوا: الثميل: الماء الَّذِي يبقى فِي الوادى بعد مضى السيل عَنْهُ، قَالَ الأعشى:
بناجيةٍ كأتان الثميل ... تقضى السرى بعد أين عسيرا
1 / 17
والأتان: الصخرة تكون فِي الماء، وإذا كانت فِي الماء القليل فأصابتها الشمس صلبت.
والثمالة: رغوة اللبن، يُقَال: حقنت الصريح وثملت الرغوة يريد بقيت، قَالَ مزرد: إذا مس خرشاء الثمالة أنفه ثنى مشفريه للصريح فاقنعا وقَالَ الأصمعى: الثمالة: ما بقى فِي العلبة من الرغوة خاصة، والثمالة: ما بقى فِي الحوض من الماء، وهو أيضًا: ما بقى فِي البطن من الماء والطعام، ويقَالَ: سقاه المثمل، يريد سقاه السم.
قَالَ أَبُو نصر: وترى أنّهُ أنقع فبقى وثبت، وسيف ثامل: أى باق فِي أيدى أصحابه زمانا، كذا قَالَ الأصمعى، وقَالَ أَبُو عمرو: قديم لا عهد لَهُ بالصقَالَ، وقَالَ خَالِد بْن كلثوم: هُوَ الَّذِي فِيهِ بقية، قَالَ ابن مقبل: لمن الديار عرفتها بالساحل وكأنها الواح سيف ثامل والثملة: الصوفة تجعل فِي الهناء ثم يطلى بها البعير، أنشد الأصمعى:
ممغوثة أعراضهم ممرطلة ... كما تلاث فِي الهناء الثملة
والثملة ساكنة الميم: الحب والتمر والسويق يكون فِي الوعاء إِلَى نصفه فما دونه، والجماع: الثمل.
والثملة: ما أخرجت من أسفل الركية من التراب والطين، وهذان الحرفان رويناهما عَنْ أَبِي عُبَيْد بضم الثاء، وعن أَبِي نصر بفتح الثاء، ويقَالَ: ثمل يثمل ثملًا إذا أخذ الشراب فِيهِ، وعافيه الذين يعفونه، أى: يأتونه، يُقَال: عفاه يعفوه واعتفاه يعتفيه، وعراه يعروه واعتراه يعتريه، واعتره يعتره، وعره يعره.
ومحسب: كافٍ
أنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنباري لامرئ القيس:
فتملأ بيتنا أقطا وسمنا ... وحسبك من غنىً شبع ورى
أي: يكفيك الشبع والري وفناؤه رحب: أى واسع، ويقَالَ: فناء الدار وثناؤها.
والسناء من الشرف ممدود ومن الضوء مقصور.
والمصمم من الرجال: الَّذِي يمضى فِي الأمور لا يرد عزمه شىء، والمصمم من السيوف: الَّذِي يمضى فِي الضرائب لا يحبسه شىء.
وأيسار جمع يسر، وهو الذى يدخل مَعَ القوم فِي القداح، وهو مدح، وقَالَ الشاعر:
وراحلةٍ نحرت لشربٍ صدقٍ ... وما ناديت أيسار الجزور
1 / 18
والبرم: الَّذِي لا يدخل مَعَ القوم فِي الميسر، وهو ذم وجمعه أبرام، قَالَ متمم:
ولا برم تهدى النساء لعرسه ... إذا القشع من برد الشتاء تقعقعا
ويقَالَ: كَانَ رَجُل برمًا فجاء إِلَى امرأته وهي تأكل لحما فجعل يأكل بضعتين بضعتين، فقَالَت لَهُ امرأته: أبرما قرونًا فأرسلتها مثلا.
وقَالَ أَبُو زيد: الكمى: الجرىء المقدم كَانَ عَلَيْهِ سلاح أو لم يكن.
وقَالَ غيره: الذى يكمى شجاعته فِي نفسه أى: يسترها.
وقَالَ ابن الأعرابى: الكمى: الشجاع، وسمى كميًا لأنه يتكمى الأقران لا يكع ولا يجبن عَنْ قرنه، أى: يقصد، وكل ما اعتمدته فقد تكميته، وأنشد:
بل لو شهدت الناس إذ تكموا ... بقدرٍ حم لهم وحموا
وغمة لو لم تفرج غموا
مطلب أسماء الزوجة
وحليلة الرجل: امرأته، وحليلته أيضًا: جارته التى تحاله وتنزل معه، قَالَ الشاعر:
ولست بأطلس الثوبين يصبى ... حليلته إذا هجع النيام
وعرس الرجل: امرأته أيضًا، قَالَ امرؤ القيس:
كذبت لقد أصبى عَلَى المرء عرسه ... وأمنع عرسى أن يزن بها الخالى
وهو أيضًا عرسها وهي حنته، قَالَ كثير:
فقلت لها بل أنت حنة حوقل ... جرى بالفرى بينى وبينك طابن
والفرى جمع فرية، وقَالَ الشاعر:
ما أنت بالحنة الودود ... ولا عندك خير يرجى لملتمس
وهي طلته أيضًا، قَالَ الشاعر:
وإن امرأ فِي الناس كنت ابن أمه ... تبدل منى طلةً لغبين
دعتك إِلَى هجرى فطاوعت أمرها ... فنفسك لا نفسى بذاك تهين
وقَالَ الآخر:
ألا بكرت طلتى تعذل ... وأسماء فِي قولها أعذل
تريد سليماك جمع التلاد ... والضيف يطلب ما يأكل
1 / 19
وربضه وربضه أيضًا والربض: كل ما أويت إليه، قَالَ الشاعر:
جاء الشتاء ولما اتخذ ربضا ... يا ويح كفى من حفر القراميص
والقرموص: حفرة يحتفرها الصائد إِلَى صدره، فيدخل فيها إذا اشتد عَلَيْهِ البرد، والقرموص أيضًا مبيض القطاة.
وقعيدة الرجل أيضًا: امرأته، قَالَ الأسعر الجعفى:
لكن قعيدة بيتنا مجفوة ... بادٍ جناجن صدرها ولها غنى
وزوجه أيضًا، قَالَ الأصمعى: ولا تكاد العرب تَقُولُ زوجته، وقَالَ يعقوب: يُقَال: زوجته، وهى قليلة، قَالَ الفرزدق:
وإن الَّذِي يسعى ليفسد زوجتى ... كساع إِلَى أسد الشرى يستبيلها
وهي بعله أيضا وبعلته، وأنشد الفراء:
شر قرينٍ للكبير بعلته ... تولغ كلبًا سؤرة أو تكفته
يعني: أن امرأته قد تقذرته حين كبر، فإذا شرب لبنا وبقى سؤره والسؤر: بقية الشراب فِي الإناء، تولغه كلبا أو تكفته، أى تقلبه عَلَى الأرض.
وبيته أيضًا، قَالَ الراجز:
أقول إذ حوقلت أو دنوت ... وبعض حيقال الرجال الموت
ما لي إذا أنزعها صأيت ... أكبر غيرنى أم بيت
وشهلته أيضًا
أنشدنى أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى:
لَهُ شهلة شابت وما مس جيبها ... ولا راحتيها الشئنتين عبير
والشهلة أيضًا: العجوز قَالَ الراجز:
باتت تنزى دلوها تنزيًا ... كما تنزى شهلة صبيا
وجثلته ومعزبته: امرأته.
وقَالَ غيره: وحوبته أيضًا.
وقَالَ أَبُو زيد: والحوبة: القرابة من قبل الأم، وكذلك كل ذى رحم محرم.
قَالَ يعقوب: الحوبة: الأم.
والفصيلة: رهط الرجل
1 / 20