أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ؛ فجزائي في الدنيا أعرفه، وأنا مستعد له، أما جزائي في الآخرة فإني أعتمد على قول الغفور الرحيم:
أو فساد في الأرض ، وقد كان أبو سريع مفسدا في الأرض، فإن لم يكن هناك أدلة لأهل الأرض على فساده، فالله الرقيب الحسيب يعرف خائنة الأعين وما تخفي الصدور. وأنا لم يصبح لي في الأرض أمل أعيش عليه، فقد كنت أرجو أن أتزوج، ويكون لي أولاد أرى بأعينهم الدنيا التي حرمتها، وقضى أبو سريع على كل أمل لي في ذلك.
وقال وكيل النيابة: هل اطلعت على الغيب؟ - إذا كنت لا أرى الحاضر، فكيف لي بالاطلاع على الغيب يا سعادة الوكيل؟ لقد ولدت فاقد البصر بفعل الله وله في ذلك حكمته التي لا يعرفها إلا هو، إلا أنني قد أصبحت فاقد البصيرة بفعلي أنا، وبهذا الفعل أقبل حكم البشر، أما شأني مع الله فلا يعرفه إلا هو. وانتهى التحقيق وحولت القضية إلى المحكمة وتكلمت النيابة تطلب أقصى العقوبة، ثم تكلم تامر فقال: يا حضرات المستشارين إنني لن أقدم للمحكمة دفاعا خيرا مما قاله المتهم أمام النيابة، ولو كنت أتقاضى أتعابا على هذه القضية لرددت الأتعاب، وأنا لا أتقدم إلى ساحتكم المقدسة طالبا البراءة، وإنما أطلب الرأفة ما وجدت ضمائركم المشرقة بنور الله سبيلا إليها، والسلام عليكم ورحمة الله، ورفعت الجلسة للمداولة.
وصدر حكم المحكمة بالسجن خمسة عشر عاما، وقال عبد الحميد: سبحانك يا علي يا قدير لقد ضمنت لنفسي القوت، ومن كان في سجني الرباني لا يعنيه سجن البشر. تقدست أسماؤك وجل جلالك.
الفصل الثاني عشر
كان تامر جالسا في مكتبه حين أعلنه وكيل المكتب بحضور شخص واضح أنه محترم اسمه الدكتور وائل نعمان، فأمره تامر أن يسمح له بالدخول.
شخصية ترغم رائيها على الإجلال والاحترام، يلبس في أناقة، وقور، وبيده حقيبة من جلد التمساح، وقدم نفسه لتامر: الدكتور وائل نعمان. - يا مرحبا، دكتور طبيب؟ - بل دكتور في الآداب من السربون. - أهلا وسهلا شرفت. وفيم نلت الدكتوراه؟ - كانت رسالتي عن أثر الأدب الفرنسي في الأدب العربي. - موضوع شيق وعظيم، هل طبعت الرسالة؟ - الجامعة أمرت بطبعها. - أرجو أن يكون لي حظ قراءتها. - يسعدني كل السعادة أن يقرأها شخص له ثقافتك وشهرتك. - المحاماة هي عملي، أما هوايتي فهي الأدب. - ليس هذا مستغربا عليك. - أنا تحت أمرك، من الذي نصحك بتشريفي؟ - أنا طبعا حين فوجئت بأن أرضي اغتصبت ذهبت إلى أكبر محام في مصر. - أنت إذن قادم من عند أستاذنا رشدي فاضل؟ - الذي اغتصب أرضي من بلدكم، وحين عرف رشدي بك ذلك أرسلني إليك. - لا بد أنه المرحوم أبو سريع علوان. - وابنه لطفي. - ما القضية؟ - قطعة أرض لي بالسيدة زينب مساحتها ألفا متر مربع غبت عنها سنوات دراستي الست، وعدت وجدت الأرض قد اغتصبت وبحثت وتبينت الحقيقة الفاجرة. - أمر ليس مستغربا على الوالد أو ابنه. - هذه أوراقي أتيت بها معي لا مجال للشك فيها أو المناقشة حولها.
واستطاع تامر أن يكشف جميع أعمال التزوير والاحتيال التي ارتكبها المرحوم أبو سريع وابنه لطفي، وصدر الحكم بسجن لطفي عشر سنوات مع مصادرة جميع أمواله وأموال أسرته بلا استثناء.
وسبحان الملك القدوس الذي قال في كتابه العزيز:
ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها
Shafi da ba'a sani ba