وقد تعترض عليهم بأن تحقيق العدل الذي يريدونه، والمساواة التي يطمحون إليها ويطمعون فيها يدعو إلى الكثير من الشر، وأول هذا الشر إلغاء الحرية وإنزال القوي عن قوته، والمتفوق عن تفوقه، والغني عن غناه، وحمل الناس على ألوان من الحياة متشابهة بغيضة لتشابهها، وأخذهم بالعنف حتى يحملوا على الجادة ويهتدوا إلى الصراط المستقيم.
وقد تضرب لهم الأمثال بما يجري هنا وهناك في البيئات التي حاولت تحقيق العدل والمساواة من العنف المنكر والتسلط الذي لا يطاق، ولكنهم سيجيبونك دائما بأن الإنسانية مريضة، وبأن شفاء المريض لا يكون بمداعبته وتدليله، وإنما يكون بحمله على تعاطي الدواء مهما يكن مرا بغيضا، وبحمله أحيانا على ما هو أشق مشقة وأجهد جهدا، وأثقل ثقلا من الدواء المر البغيض.
فالإنسانية بين اثنتين: إما أن تريد الشفاء، فتسلك إليه طريقه المستقيمة، وإما أن تؤثر المرض، فتشقى بآلامه وأثقاله حتى يدركها الفناء.
وكذلك ستظل الإنسانية مضطربة بين هذين المذهبين: مذهب العدل وما يقتضي من وسائل قد تكون منكرة في كثير من الأحيان، ومذهب الحرية وما يستتبع من نتائج ليست أقل من وسائل العدل نكرا، ومن يدري! لعل يوما من الأيام قريبا أو بعيدا يرى ذلك الفيلسوف الذي يبتكر للإنسانية مزاجا معتدلا من الحياة يتحقق فيه العدل من غير عنف، وتتحقق فيه الحرية من غير ظلم، ويذوق الناس فيه سعادة لا يشوبها بؤس ولا شقاء.
ويرحم الله عمر، فقد أراد أن يحمل المسلمين على ذلك، ومضى بهم في سبيله قدما، وحقق لهم منه شيئا كثيرا. ولكن الشاعر الذي رثاه لم يخطئ حين قال:
عليك سلام من إمام وباركت
يد الله في ذاك الأديم الممزق
فمن يسع أو يركب جناحي نعامة
ليدرك ما قدمت بالأمس يسبق
قضيت أمورا ثم غادرت بعدها
Shafi da ba'a sani ba