لا تجزعي إن شر الشيمة الجزع
ثم أدركه الإعياء فسقط لما لقي من الجهد، وأشفق عبيد الله بن زياد أن يدركه التلف فيخالف أمر الخليفة ويتجاوز به العذاب إلى الموت، فأمر برفعه وغسله ورده إلى السجن، ثم أمر عبيد الله فحمل الشاعر إلى أخيه عباد بسجستان ليشفي حقده ويرضي حاجته إلى الانتقام، وكلف الذين حملوه أن ينزلوا به في الخانات التي نزل بها حين هرب من عباد، وأن يضطروه إلى أن يمحو بأظافره ما كتب على الجدران من هجاء بني زياد، وأن يحولوا صلاته عن قبلة المسلمين إلى قبلة النصارى، فجعل يمحو بأظافره ما كتب حتى ذهبت أظافره، فكان يمحو بعظم أظافره وبدمه، وما زال في هذا العذاب حتى بلغ عبادا فضوعف عذابه في سجستان، ولكن شيئا من هذا كله لم يضطره إلى الضراعة ولا إلى الاستكانة ، وإنما كان صراع رائع عنيف بينه وبين العذاب، يصب عليه بنو زياد ألوان الهول ويصب عليهم هو أشنع القول، وفي نفسه يأس من جهة وأمل من جهة أخرى؛ يأس من الزمان ألا يمهله، وأمل في قريش وحمير أن يشفعوا له عند أمير المؤمنين، وقد انتصر الأمل على اليأس، وسار شعر يزيد في الآفاق وسارت معه أنباء هذا الصراع الهائل بين العذاب والفن، وانتهى الأمر إلى قريش في أنديتها بالعراق والحجاز ، وانتهى الأمر كذلك إلى حمير في أنديتها بحمص ودمشق، وغضبت اليمانية والمضرية جميعا لهذا الشاعر الذي يعذب عذابا لا يعرفه المسلمون، وسعى أولئك وهؤلاء عند يزيد بن معاوية، وما زالوا به حتى أرسل بريدا إلى سجستان وأمره أن يطلق الشاعر من سجنه على الفور، وألا يأذن لأحد من آل زياد في الإمرة عليه، وأقبل البريد، فأخرج الشاعر من سجنه وأصلح من أمره وحمله على بغلة من بغال البريد، فلما استوى عليها قال هذا الشعر الرائع المعروف:
عدس ما لعباد عليك إمارة
نجوت وهذا تحملين طليق
طليق الذي نجى من الكرب بعد ما
تلاحم في درب عليك مضيق
قضى لك حمحام فأنجاك فالحقي
بأرضك لا تحبس عليك طريق
لعمري لقد أنجاك من هوة الردى
إمام وحبل للأنام وثيق
Shafi da ba'a sani ba