48

المفصل في أحكام الأضحية

المفصل في أحكام الأضحية

Nau'ikan

قلت: إن كلام الشيخ الشنقيطي في بيان عدم صحة الاستدلال بحديث عائشة أن النبي ﷺ ضحى عن نسائه بالبقر في منى، كلام قوي ومتجه، وأن الصواب أن ذلك كان هديًا وليس أضحية. ولكن يعكر على ترجيح الشيخ الشنقيطي لمذهب الإمام مالك ما رواه مسلم بإسناده عن ثوبان ﵁ قال: (ذبح رسول الله ﷺ ضحيته ثم قال: يا ثوبان أصلح لحم هذه، فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة). وفي رواية أخرى عند مسلم عن ثوبان مولى رسول الله ﷺ قال: (قال لي رسول الله ﷺ في حجة الوداع: أصلح هذا اللحم، قال: فأصلحته فلم يزل يأكل منه حتى بلغ المدينة) (١). ففي هذا الحديث تصريح بأن النبي ﷺ ضحى وهو حاج مسافر، ولعل المالكية يقولون إن النبي ﷺ ضحى بمنى لأنها كانت واجبة في حقه ﷺ. ولكن الأدلة لم تنهض على إثبات ذلك، وقد سبقت الإشارة إلى أن الحديث الوارد في اختصاص النبي ﷺ بالأضحية على سبيل الوجوب ضعيف لا يثبت (٢). وأما ما استدل به الحنفية من الآثار عن بعض الصحابة والتابعين أنهم كانوا لا يضحون في السفر وكذا في منى. فالجواب: أن لا دلالة في فعلهم على أن الأضحية غير مشروعة في حق المسافر والحاج، وإنما تدل على تركهم للأضحية في تلك الحال، لانشغالهم بالسفر أو النسك، وهذا بناءً على ذهابهم إلى أن الأضحية سنة، وليست واجبة فيجوز تركها كما قال سعيد بن المسيب لرجل: [ضحى رسول الله ﷺ وإن تركته فليس عليك] (٣). وسبق أن ذكرت أنه صح عن أبي بكر وعمر أنهما كانا لا يضحيان مخافة أن يظن الناس وجوبها. وبهذا يظهر لي رجحان قول الجمهور أن الأضحية مشروعة ومسنونة في حق جميع الناس بدوًا وحضرًا في حال السفر وفي حال الإقامة وللحاج وغيره والله أعلم.

(١) صحيح مسلم مع شرح النووي ٥/ ١١٦. (٢) انظر التلخيص الحبير ٣/ ١١٨. (٣) مصنف عبد الرزاق ٤/ ٣٨٠.

1 / 49