المدارس النحوية
المدارس النحوية
Mai Buga Littafi
دار المعارف
Nau'ikan
سيال بالخواطر التي تَفِد عليه من كل صوب، من ذلك توجيهه لإعراب "أي" في قراءة من رفعها في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا﴾ ومعروف أن قراءتها بالنصب واضحة، إذ تكون مفعولا للفعل ننزعن، أما بالرفع فذهب الخليل إلى أنها استفهامية ومفعول الفعل محذوف، والتقدير: لننزعن الفريق الذين يقال فيهم: أيهم أشد. وقال يونس: بل المفعول جملة ﴿أَيُّهُمْ﴾ والفعل معلق عنها كما يعلق في باب ظن حين تدخل هي وأخواتها على جملة استفهامية، وذهب سيبويه إلى أنها أي الموصولة مبنية على الضم وحذف صدر صلتها، والتقدير: لننزعن الذي هو أشد. وقال الكسائي والأخفش: ﴿مِنْ﴾ في الآية زائدة، و﴿كُلِّ شِيعَةٍ﴾ هي المفعول به، وجملة أي مستأنفة. ثم جاء الفراء فعرض فيها ثلاثة وجوه: الوجه الأول: أن يكون الفعل واقعا على موضع ﴿مِنْ﴾ تمشيا مع رأيه في أن الحروف تعرب حسب العوامل التي تطلبها، وكأن ﴿مِنْ﴾ هي مفعول ننزع، ويمثل لذلك بقولهم: "قد قتلنا من كل قوم" و"أصبنا من كل طعام"، ثم تستأنف بعد ذلك جملة: ﴿أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا﴾ بتقدير فعل محذوف عامل فيها هو ننظر أي: ننظر أيهم أشد على الرحمن عتيا. والوجه الثاني: أن يكون تقدير الآية: ثم لننزعن من الذين تشايعوا على هذا، ينظرون بالتشايع أيهم أشد على الرحمن عتيا، فتكون أي في صلة التشايع. والوجه الثالث: أن يكون التقدير: ثم لننزعن من كل شيعة بالنداء، أي: لننادين أيهم أشد على الرحمن عتيا١.
ومن ذلك تعليقه على الآية الكريمة: ﴿بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ فقد وقف بإزاء ﴿أَنْ﴾ في قوله تعالى: ﴿بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ﴾، ملاحظا أنها تفيد الجزاء مثل إن، ومن هنا كانا يتعاوران الموضع الواحد في الكلام، ويفرق بينهما في الاستعمال على هذا النحو: "إذا كان الجزاء لم يقع عليه شيء قبله، وكان ينوى بأن الاستقبال كسرتَها وجزمت بها فقلت: أكرمك إنْ تأتني، فإن كانت ماضية قلت: أكرمك
١ معاني القرآن ١/ ٤٧، وانظر مجالس العلماء للزجاجي ص٣٠١، والمغني ص٨١.
1 / 212