Almaniya Naziyya
ألمانيا النازية: دراسة في التاريخ الأوروبي المعاصر (١٩٣٩–١٩٤٥)
Nau'ikan
Vichy » المسيو «ببير لافال
Laval » وأعاد استخدامه: انتهزت الجريدة هذه الفرصة لإثارة حملة شعواء ضد حكومة فيشي ونظامها، ولم يكن ذلك في الحقيقة أمرا عسيرا؛ لأن انضمام «لافال» إلى «بيتان» لم يلبث أن نفر القلوب في فرنسا المحتلة وقتذاك من الماريشال الطاعن في السن، وانفض من حوله الأنصار الذين عقدوا على زعامته الآمال العريضة، واستطاعت جريدة «التحرير» أن تكتب عقب هذا الحادث ما معناه: «إن الاختلاف الحقيقي بين فرنسا المحتلة وغير المحتلة، هو أن ألمانيا في فرنسا المحتلة هي العدو الأول، و«فيشي» هي العدو الثاني، أما في فرنسا غير المحتلة فإن «فيشي» هي العدو الأول، وألمانيا هي العدو الثاني!»
وتعتبر «بنتاجرول
» من أقدم الصحف السرية في فرنسا، إن لم تكن أقدمها جميعا. وقبل أن يستطيع «بول سيمون» الفرار من باريس، كان الألمان قد قبضوا على محرر «بنتاجرول» وأعدموه. وقد أسدت «بنتاجرول» خدمات جليلة في الفترة التي قدر لها الظهور في أثنائها، جاء في عددها الأول ما معناه: «إن هذه الصحيفة مخصصة لنشر الأنباء ولا يمكن أن يذهب نضالها ضد سلطات الاحتلال سدى، وغرضها نشر الأخبار التي يذيعها الراديو الإنجليزي، حتى يقف عليها كل من يتعذر عليهم الإصغاء إلى نشرة الأخبار البريطانية والذين يتألمون بسبب عجزهم هذا. إننا نرجو رجاء حارا أن يكون النصر من نصيب الإنجليز؛ لأن هذا من شأنه أن يخلص فرنسا ويرد إليها عددا من أقاليمها المفقودة ومستعمراتها، ثم يحقق لها النجاة من العبودية الاقتصادية والتضخم النقدي. وماينبغي أن ننسى أن إنجلترا قد أعلنت عن أغراضها الحربية التي تتضمن إعادة كيان الأراضي الفرنسية برمتها سليمة، وهذا هو السبب الذي يجعلنا نرغب في انتصارها، ولو أن هذا لا يعني بالضرورة إذلال الشعب الألماني ...» ولعل أهم ما يسترعي النظر في هذه الجريدة أنها أخذت على عاتقها مقاومة الدعاية النازية عند اشتداد إغارات الطائرات البريطانية على الموانئ الفرنسية، فكان مما قالته: «وإذا سلمنا بأن الإنجليز إنما يحاربون من أجلنا كما يحاربون من أجل مصلحتهم - وهذا هو الوضع الصحيح وما يحدث فعلا - فإنه يجب علينا ألا نلومهم؛ لأنهم إنما يفعلون ما يفعله جنودنا أنفسهم عندما ينسف هؤلاء الجسور أو يهدمون القلاع والحصون ...» ومع هذا فقد حرصت الجريدة على أن توضح لقارئيها أنها ليست بالصحيفة الإنجليزية، بل على العكس من ذلك، فإنه من الواجب على كل قارئ أن يساعد على وصول هذه الصحيفة إلى المواطنين الأحرار في بريطانيا العظمى، إذا استطاع إلى ذلك سبيلا؛ إذ ينبغي أن يعرف أصدقاؤنا وحلفاؤنا في إنجلترا، أن الأذى الذي يحاول أعداؤنا أن يلحقوه بهم بطريق النشر والكتابة في صحفهم لم يفد شيئا في تحطيم عاطفة الصداقة التي تشعر بها نحوهم الجمهرة العظمى من الشعب الفرنسي. وفي عدد من أعداد هذه الصحيفة جاء التعليق التالي: «إن هجوم الربيع 1941 الذي قام به هتلر، أفضى إلى إرسال الجيش الألماني إلى بلغراد، ولكن بلغراد هذه إنما هي عاصمة أوروبية وليست بكل تأكيد عاصمة بريطانيا العظمى! وهكذا يتعطل سير النظام الجديد مرة أخرى، والواقع أن من المستحسن كثيرا أن يذهب الألمان إلى أثينا وإلى بلغراد، ولا ينزلون في لندن!» وكان هذا تهكما واضحا.
والحقيقة أن «بنتاجرول» كغيرها من الصحف السرية كانت تعتمد على التهكم والسخر بالسادة النازيين فيما تكتب أكثر من اعتمادها على أي شيء آخر: الأمر الذي أثار سخط سلطات الاحتلال الألماني، وأوقد حفيظة النازيين ضد هذه الجريدة. وقبل إعدام صاحبها في نوفمبر 1941 بلغ عدد النسخ التي توزعها «بنتاجرول» عشرة آلاف نسخة!
وإلى جانب هذه الصحف السرية كان يوزع أيضا أنصار الدعاوة المضادة عددا من الكتب الصغيرة التي يسهل حملها في الجيب أو في حقيبة اليد الصغيرة. ومن أشهرها، كتيب انتشر انتشارا كبيرا في فرنسا المحتلة عنوانه «نصائح للأهلين في الأرض المحتلة
Conseils á L’Occupé »، وهو كتيب يقع في ست عشرة صفحة، وبلغ عدد ما وزع منه نيفا وسبعة آلاف نسخة. وهو يتضمن إرشادات فيما ينبغي أن يفعله كل رجل وامرأة في المسلك الواجب اتباعه حيال الألمان في بلادهم. وكلها إرشادات في الحقيقة لا غنى عنها من أجل إحكام أساليب المقاومة السلبية: وأهمها؛ الامتناع عن مخالطة الفاتحين، والتظاهر بجهل لغتهم والامتناع عن ارتياد المقاهي التي يؤمونها، ومقاطعة أصحاب المحلات العامة الذين يعلنون عن إمكان التخاطب بالألمانية في محالهم، وزيادة على ذلك فإن هذا الكتيب صار يحذر الأهلين من الانخداع بما تذيعه الدعاية النازية والاستماع لأكاذيب الدكتور جوبلز وأعوانه.
وفي يولية 1942 كان قد بلغ عدد الصحف السرية في فرنسا الثلاثين، هذا عدا المنشورات والكتب الصغيرة وما إليها، فقد أربت على الستين، وفي تلك الآونة كانت جميع الدلائل تدل على أن هذا العدد آخذ في الزيادة المستمرة! ولعل أبرز نتائج هذه الدعاية الخفية زوال الفروق السياسية التي لعبت فيما مضى دورا خطيرا في تفكك فرنسا وانهيارها، فصار الأهلون جميعا يربطهم الآن رباط واحد، هو ضرورة مجابهة الخطر المحدق بهم من جراء وقوع الوطن تحت أقدام النازيين، وواجب التطلع إلى مستقبل جديد يحفظ على فرنسا وحدتها ويعيد إليها إمبراطوريتها ومجدها، ويكتب لها الخلاص والتحرر من ربقة الاستعباد الألماني، لا في هذا الجيل وحده، بل وخلال الأجيال المقبلة كذلك. •••
ولم تكن فرنسا وحدها موطن هذه الصحف السرية؛ فقد كان من نتيجة الاحتلال الألماني وما تبعه من التضييق على حريات الشعوب وخنقها، وإذلال الأهلين وسلب اقتصادهم القومي، ثم تسخيرهم في العمل لدعم أركان النظام النازي الجديد؛ أن صار أهل البلدان المقهورة يجدون في الصحف السرية وسيلة من الوسائل التي تمكنهم من الإفصاح عن شعورهم وإحياء الآمال في صدور مواطينهم، وجمع الرأي والكلمة على ضرورة مقاومة الطغيان النازي. وكان البلجيكيون من بين هذه الشعوب المغلوبة على أمرها والتي ظلت متشبثة بحقها في حياة حرة طليقة.
وتبدأ قصة الصحف السرية في بلجيكا بحادث جدد في أذهان البلجيكيين ذكريات الصراع الدامي القديم عندما وطئ الغزاة الألمان أرض الوطن بأقدامهم في عهد الاحتلال الأول في أثناء الحرب العالمية الأولى بين عامي 1915 و1918. هذا الحادث هو مفاجأة أهل بروكسل. في يوم 15 أغسطس 1940 بظهور أول أعداد صحيفة «بلجيكا الحرة
Shafi da ba'a sani ba