Allah Kawn Insan
الله والكون والإنسان: نظرات في تاريخ الافكار الدينية
Nau'ikan
ولكن لا بد من وجود أسباب شعورية أو لا شعورية خلقت في النفس موضوعا «هاجعا» كما سميته، ثم ساعدت فيما بعد على اقتحامه ساحة الشعور، والإلحاح على عقل صاحبه، فهل وعيت تلك الأسباب؟ وهل لنا في نبذة عنها؟ (ج):
أعتقد بأن البداية انطلقت عندي من التساؤل؛ فالإنسان يولد ومعه دافع طبيعي إلى التساؤل، وما إن يتفتح وعي الطفل حتى يأخذ بطرح الأسئلة حول أصل العالم، ووجود الله، والروح والحياة الثانية، والغاية من الوجود وحياة الإنسان، وما إلى ذلك. وفي الواقع فإن أسئلة الطفولة على بساطة طرحها، هي التي شغلت البشرية عبر تاريخها، وتصدت للإجابة عنها كل أشكال الحكمة والفلسفة والدين، وكذلك العلم في العصر الحديث. ولكن الدافع إلى التساؤل يخفت تدريجيا لدى معظم الأفراد، وذلك بمرور الوقت وضغط الشروط المادية للحياة اليومية، فيلجئون عندها إلى دين آبائهم ليجدوا فيه عقيدة ناجزة وأجوبة جاهزة، تعفيهم من حيرة السؤال وتضعهم في طمأنينة الأيديولوجيا، ولكن هناك قلة من الناس تبقى أمينة للسؤال ولأرق الحيرة الذي يهبنا الإحساس بالحرية وبحرارة الحياة، ويبدو أنني كنت من هذه القلة التي لم تقنع بالجاهز والموروث، وأعطت لنفسها حرية البحث والتفكير. (س):
ولكن لماذا اخترت البحث عن الأجوبة في ثنايا أديان الإنسان لا في غيرها؟ الفلسفة مثلا. (ج):
لقد كانت الفلسفة أول ما فتنني من المنظومات المعرفية، فانكببت على دراستها منذ أن كنت في مرحلة الدراسة الثانوية، وقرأت ما وصلت إليه يداي من الكتب التي تبحث في تاريخ الفلسفة الأوروبية من سقراط إلى هيجل، ثم سارتر وصحبه من الوجوديين الذين افتتنت بهم زمنا لا بأس به. أما الفلسفة العربية فلم ترق لي لأن همها الرئيسي كان يتمثل في التوفيق بين الفلسفة اليونانية والدين الإسلامي؛ أي إن العقل الفلسفي العربي كان مقيدا ومشترطا بالدين، في الوقت الذي ينبغي فيه على الفلسفة أن تنطلق من الشك وعدم اليقين، لا من اليقين الذي يقوم عليه الدين، ولا بأس بعد ذلك إذا أعادت إلي اليقين. (س):
ولكنك تركت الفلسفة بعد ذلك وتوجهت إلى دراسة الدين. لماذا؟ (ج):
عندما بدأت بدراسة الفلسفة كنت أعتقد بأنني سأتوصل في النهاية إلى رؤية لوحة فسيفسائية جميلة تتخذ فيها كل فلسلفة مكانها المحدد الذي يساعد على إبراز المشهد العام، ولكن ما وجدته بعد أن سرت شوطا في دروب الفلسفة المتعرجة، هو أن كل فلسفة كانت تنقض ما قبلها لتبني من جديد؛ ومن ثم تأتي بعدها أخرى لتنقضها وتبني على أنقاضها. وما تحصل لدينا بعد مرور 2500 سنة على نضوج الفلسفة لم يكن لوحة فسيفسائية متكاملة، وإنما ركاما من الفلسفات التي ترسم مشهدا لمتاهة لا سبيل إلى الخروج منها. يضاف إلى ذلك أن الفلسفة لم تستطع تقديم عزاء لعامة الناس، وخارج الصين حيث لعبت الكونفوشية دور الدين، لم أعثر على فلسفة اكتسبت إليها حشدا من البشر الذين آمنوا بها وعاشوا وفقا لتعاليمها، وإنما بقيت لعبة ذهنية تمارسها النخبة. ولا أستثني من ذلك الماركسية؛ لأن الشرائح الاجتماعية التي قامت بالثورات الشيوعية لم تفعل ذلك لأنها فهمت الماركسية، ولكن لأنها كانت محرومة وجائعة. (س):
ولكن هل نجحت الأديان برأيك في تحقيق ما عجزت عنه الفلسفة؟ (ج):
الفلسفة هي حكمة شخص بعينه، أما الدين فهو حكمة شعب. وبينما تبقى الفلسفة محصورة في الأكاديميات، ينجح الدين في التمكن من قلوب وعقول شعب بأكمله؛ ولذلك أقول بأننا إذا ما أردنا البحث عن حكمة البشرية، فإننا سنجدها في تاريخ أديانها لا في تاريخ فلسفاتها. (س):
أنت تقول بأن الفلسفة هي حكمة شخص بعينه، ولكن أليس الدين حكمة شخص بعينه أيضا، وهو مؤسس ذلك الدين، نبيا كان أم شخصية روحية متميزة؟ (ج):
إن ظاهرة مؤسسي الديانات في تاريخ الدين هي ظاهرة حديثة نسبيا، ولا يمكننا متابعتها إلى ما وراء أواسط الألف الأول قبل الميلاد، عندما ظهر زرادشت نبي الديانة الزرادشتية، وبوذا مؤسس الديانة البوذية. وقبل زرادشت كانت الديانة الإيرانية التقليدية تضرب في عمق التاريخ دون أن يلمح لها بداية محددة أو شخصية متفوقة عملت على تأسيسها. وكذلك الأمر في الهندوسية التي كانت ديانة البوذا قبل أن يتنور وينشق عن دين آبائه، ومثلها ديانات مصر وبقية حضارات الشرق القديم التي تضيع بداياتها في ضباب التاريخ. هذا الطابع اللاتاريخي للدين هو الذي يجعل منه حكمة شعب لا حكمة فرد؛ لأنه ليس نتاجا لعقل واحد، وإنما نتاج تعاون عقول أجيال متتابعة عملت على صياغته وتطويره في حركة دائبة لا تهدأ. (س):
Shafi da ba'a sani ba