Allah Kawn Insan
الله والكون والإنسان: نظرات في تاريخ الافكار الدينية
Nau'ikan
هذا صحيح. (س):
هل نبدأ بالزرادشتية؟ فلقد فهمت من سياق ما أوردته عن الديانات التوحيدية أن العناصر الرئيسية للأسطورة الكبرى ظهرت أولا في الزرادشتية، فهل كانت العقيدة الزرادشتية أصيلة كل الأصالة، بمعنى أنها لم تتأثر بل أثرت، ولم تستعر بل أعارت؟ (ج):
لقد كان زرادشت كاهنا على دين قومه قبل أن يأتيه وحي النبوة، ومن المتوقع أن نجد في عقيدته الجديدة آثارا من عقيدته القديمة؛ لأن كل دين ينشأ ضمن حاوية ثقافية معينة، كما قلت سابقا، تمده بكثير من العناصر القديمة. ولكن المشكلة التي لم أجد لها حلا، هي أن الزرادشتية لم تتأثر كثيرا بحاضنتها الثقافية المحلية، وإنما بالحاضنة الثقافية الأوسع للشرق القديم؛ فلقد تلقت تأثيراتها على غير كل ما هو متوقع من ثقافة مصر القديمة. (س):
هل يوجد في سيرة زرادشت ما يوحي ولو بإشارة غامضة على أنه جاء من مصر، أو أنه سافر إلى مصر في مهمة ثم عاد إلى موطنه؟ (ج):
أبدا. لقد كان كاهنا على دين ذي عقائد وأساطير وطقوس هندو-أوروبية تشبه ديانة الآريين الذين سكنوا الهند، كما أنه عاش في المناطق الشرقية من إيران والبعيدة حتى عن الاحتكاك المباشر بثقافة وادي الرافدين. (س):
هل تعني أن فكرة التوحيد في الزرادشتية استلهمت توحيد الفرعون أخناتون؟ (ج):
لا أبدا؛ لأن عصر أخناتون بعيد جدا عن عصر زرادشت. التشابه الذي يمكننا ملاحظته بين الديانتين يتركز في فكرة الروحين التوءمين؛ روح الشر وروح الخير، إضافة إلى عدد لا بأس به من التصورات الأخروية؛ فبذور ثنائية أنجرا ماينيو الروح الخبيث وسبينتا ماينيو الروح القدس نجدها في ثنائية سيت-حورس التي استمرت فاعلة في الديانة المصرية حتى أواخر التاريخ المصري؛ فالإله سيت كما تصوره نصوص الأهرام وهي أقدم النصوص الدينية المصرية، يجسد كل القوى السالبة في الكون والطبيعة مقابل حورس الذي يمثل القوى الموجبة؛ فالإله حورس هو سيد السماء، وسيد الشمس التي تهب الحياة وتعكس في حركتها الثابتة نظام الكون الدقيق، أما الإله سيت فهو العدو الأول للشمس وللضوء بجميع أشكاله؛ فهو الذي يحرف خط سير الشمس في السماء باتجاه الجنوب عقب الانقلاب الصيفي، ويسرق من نور القرص فتقصر ساعات النهار وتطول ساعات الليل، وهو الذي يسرق من القمر عقب اكتماله في منتصف الشهر، فيتناقص ليلة بعد أخرى حتى ينطفئ في آخر الشهر، ولكن الإله تحوث يعمل على إشعاله مجددا. ومملكة هذا الإله الذي يعارض نظام الطبيعة ويعمل على نشر الفوضى تقع في الجهة الشمالية من قبة السماء، وهناك يقيم في كوكبة الدب الأكبر. ولقد كانت هذه الجهة لدى المصريين لا سيما سكان مصر العليا هي إقليم الظلام والبرد والمطر والضباب والبروق والرعود، ومنه تأتي العواصف والأعاصير، وهذه الظواهر الطبيعية جميعها التي لم تكن تتصل بالخصب في مصر التي تعتمد على فيضان النيل، وكانت تحت سيطرة سيت وبها يهدد نظام الطبيعة. كما ارتبط سيت بالأراضي الصخرية الجرداء، وبالصحاري القاحلة وبالبوار والجفاف.
وقد كان بين سيت وحورس صراع دائم، ولكن هذا الصراع لم يكن يصل إلى نتيجة حاسمة، وكان بقية الآلهة ولا سيما تحوث يتدخلون للفصل بينهما كلما علا أحدهما على الآخر وأوشك على الإجهاز عليه. وهذا يدل على أنهما كانا قطبين في ثنائية كونية لا يصل التناقض بينهما إلى حد إلغاء أحدهما وسيادة الآخر؛ لأنه لا غنى عن صراعهما من أجل تفسير صيرورة العمليات الجارية على مستوى الكون ومستوى الحياة الطبيعية؛ ولهذا نجد النصوص تدعوهما بالأخوين وبالتوءمين، وتصورهما الأعمال الفنية من عصر الأسرات في جسد واحد يحمل رأسين، رأس الصقر وهو رمز الإله حورس، ورأس الحمار وهو رمز الإله سيت. وبينما اختص حورس برمز الصقر وهو رمز يشير دائما إلى الشمس، فقد تعددت رموز سيت؛ فهنالك الأفعى والخنزير البري والتمساح. كما ساد الاعتقاد بأن القوة التدميرية لسيت تحل في بعض الحيوانات الشرسة؛ مثل الكلاب والقطط البرية والنمور، وجرت العادة على تقديم القرابين من هذه الحيوانات في الأوقات التي تبلغ فيها قوة سيت ذروتها مثل أواخر الشهر القمري. (س):
ولكن هذه القطبية كما عرضتها تبقى تمثيلا للخير والشر على المستوى الطبيعاني، ولا صلة لها بالخير والشر على المستوى الاجتماعي، كما هو الحال في القطبية الزرادشتية! (ج):
إن ما قدمته حتى الآن هو الطور الأول من ميثولوجيا سيت-حورس، ويشتمل هذا الطور على عصر المملكة القديمة في الألف الثالث قبل الميلاد عندما لم تكن الأخلاق قد ارتبطت بالدين، ولم تكن فكرة خلود الروح في عالم أفضل عنصرا أساسيا في العقيدة الدينية؛ لأن الخلود في ذلك الوقت كان وقفا على الفرعون الذي اعتبر من جنس الآلهة، ولكن انهيار المملكة القديمة جلب معه تغييرات عميقة في بنية المجتمع والدين، وصار الخلود متاحا للجميع ولكن على أساس أخلاقي، وترافق ذلك كله مع صعود الإله أوزوريس الذي كان إلها للخصب في الماضي، ثم تحول إلى إله للعالم الأسفل يحاكم الموتى على أعمالهم ويضمن خلود الروح للأخيار منهم. وهنا استمرت ميثولوجيا سيت-حورس، ولكن حورس تحول الآن إلى ابن لأوزوريس، وتابع الاثنان صراعهما، واتصل هذا الصراع بصراع الخير والشر على المستوى الأخلاقي. (س):
Shafi da ba'a sani ba