Allah Kawn Insan
الله والكون والإنسان: نظرات في تاريخ الافكار الدينية
Nau'ikan
إن تجاهل الإنسان لحقيقة ما جرى في الماضي لا يعني أن المجتمعات القديمة لم تحتفظ أبدا بذاكرة دنيوية، ولكن هذه الذاكرة الدنيوية في حال وجودها لم تلعب دورا في مساعدة الإنسان على فهم حاضره باعتباره نتاجا لأفعاله ومنجزاته الماضية؛ فالعبرة ليس بما نحفظه عن الماضي، بل في المعنى الذي نسبغه على ذلك الماضي، وفي القيمة التي نعطيها له، وفي أثر ما نتذكره من أفعال على حركة التاريخ. (س):
متى استقل التاريخ عن الأسطورة؟ (ج):
جاء استقلال التاريخ عن الأسطورة في غمرة الصراع الذي حصل في الثقافة اليونانية بين الفلسفة والأسطورة. ونجم عن ذلك ظهور المؤرخين الأوائل من أمثال هيرودوتس وتوسيديد، ولكن هذا الاستقلال لم يحدث دفعة واحدة؛ لأن المؤلفات التاريخية الأولى بقيت إلى هذا الحد أو ذاك متأثرة بأسلوب القص الميثولوجي، لا سيما عند هيرودوتس الذي اعتمد أسلوبه في الكتابة التاريخية على ما يسمعه من قصص يوردها دون تدقيق أو تمحيص. وبعد ذلك ظهر في ثقافة الشرق القديم مؤرخون باشروا نوعا من الكتابة التاريخية المستقلة عن الأسطورة؛ مثل بيروسوس (برغوشا) البابلي الذي أنجز مؤلفا عن تاريخ بابل، وفيلو الجبيلي الذي أنجز مؤلفا عن تاريخ الفينيقيين، ومانيتو المصري. (س):
واليوم وبعد هذه المسيرة التي قطعها جنس الكتابة التاريخية، هل يمكننا القول بأن التاريخ قد حقق استقلاله تماما عن الأسطورة؟ (ج):
ما زال بينهما ما يشبه «شعرة معاوية» التي لم تنقطع؛ فحتى أواسط القرن العشرين كان المنقبون الآثاريون (مسيحيين كانوا أم يهودا) يأتون إلى فلسطين وهم يحملون معول التنقيب بيد، وكتاب التوراة (أو العهد القديم المسيحي) باليد الأخرى، ولم يكن جهدهم منصبا على الكشف عن معلومات آثارية جديدة، وإنما على إثبات المرويات التوراتية. وعندما تم اكتشاف مدينة إيبلا التي ازدهرت في الشمال السوري أوساط الألف الثالث قبل الميلاد، وأحيلت رقمها الكتابية إلى عالم اللغات القديمة الإيطالي بيتيناتو، خرج هذا العالم من قراءاته الأولى بنظرية تعقد صلة بين رقم إيبلا وكتاب التوراة. الحالة اليوم أفضل بكثير؛ فالآثاريون التوراتيون لم يعثروا على أثر لداود وسليمان أو مملكة كل إسرائيل التوراتية، كما لم يعثروا على حجر واحد من هيكل سليمان المزعوم، وهناك من علماء الآثار الإسرائيليين من يطالب اليوم بوضع التوراة على الرف عند كتابة تاريخ فلسطين أو التنقيب في أرضها. أما بيتيناتو فقد خسر سمعته الأكاديمية واضطر إلى الاعتذار بعد سنوات عن آرائه المتعجلة الأولى، ولكننا ينبغي أن نبقى دائما على حذر؛ لأن نوعا من النزوع الأسطوري يبقى كامنا وراء عمل المؤرخين من جهة، ووراء فهم قراء التاريخ لما يقدم إليهم من مادة؛ لأن «شعرة معاوية» لم تنقطع بعد. (س):
وماذا عنا نحن العرب؟ هل توصلنا إلى نزع الأسطرة عن التاريخ؟ (ج):
ليس بعد؛ فمن ناحية أولى نحن ننتمي إلى زمرة الأمم المستضعفة التي لم تشارك حتى الآن في صنع العالم الذي نعيشه، وفي محاولتها لتعويض شعورها العارم بالنقص فإنها تلجأ إلى استعادة استيهامية لعصورها الذهبية الماضية. ومن ناحية ثانية، وعلى غرار الحركات القومية الأوروبية في القرن العشرين، فقد نشأ لدينا مشروعان قوميان هما المشروع القومي العربي والمشروع القومي السوري، وقد شارك هذان المشروعان المشاريع الأوروبية في هوسها التاريخي، وتحول التاريخ من عملية استقصاء موضوعي للماضي إلى سردية رومانسية عن ذلك الماضي، ورحنا نقرأ التاريخ على ضوء الحاضر وليس العكس. (س):
ما الفرق بين الهوس التاريخي والعناية الجدية بالتاريخ؟ (ج):
في الهوس التاريخي نحن نعيد بناء التاريخ وفقا لأيديولوجيا مسبقة، في الوقت الذي ينبغي فيه على الأيديولوجيا أن تبنى على أساس معرفة علمية موضوعية بالتاريخ. (س):
في حديثك السابق عن نشوء المسرح عن الطقس، وجدنا كيف تحول الطقس إلى أداء درامي لأسطورة معينة، فهل هناك من علاقة وثيقة بين الطقس والأسطورة؟ (ج):
Shafi da ba'a sani ba