Allah Kawn Insan
الله والكون والإنسان: نظرات في تاريخ الافكار الدينية
Nau'ikan
خلال القرون الأولى الهجرية عاش الإسلام فترة إبداعية قل نظيرها؛ فقد نشأ علم الحديث عندما قام بحاثة متخصصون منذ القرن الثاني بجمع أقوال الرسول وأحاديثه وفق أساليب دقيقة في التقصي، فظهرت تباعا تصنيفات في الحديث بلغ عددها نحو 23 مصنفا. وظهر علم الشريعة على يد فقهاء متخصصين، وتأسست نحو 11 مدرسة فقهية كان أهمها: الفقه الحنفي، والفقه الشافعي، والفقه المالكي، والفقه الحنبلي. وظهر علم الكلام وهو علم العقائد الإسلامية الذي تعددت مدارسه، وقام علماء الكلام باستخدام أساليب المنطق والبرهان الفلسفي في إثبات صحة العقائد الإسلامية. وظهر علم تفسير القرآن الكريم وتعددت كتبه. ونظرا لغياب المؤسسة الدينية في الإسلام، والتي تعطي لنفسها الحق في قبول هذا المصنف في الحديث أو ذاك، ورفض هذا الفقه أو ذاك، فقد تعايشت هذه النتاجات الفكرية إلى جانب بعضها بعضا، ورفدت بعضها بعضا.
كما أن الإسلام لم يحارب الفلسفة، وظهرت الفلسفة الإسلامية في القرن الثاني الهجري على يد الفيلسوف العربي الكبير أبو يوسف الكندي، وبلغت ذروة نضجها بعد عدة قرون على يد ابن رشد. كما أن الإسلام لم يحارب العلم وإنما أعطاه قوة دافعة كبيرة، ولم يتدخل في قبول أو رفض أي فكرة أو نظرية علمية كما فعلت الكنيسة المسيحية. على أن هذه الحيوية التي أبداها الإسلام أخذت بالاختفاء حتى وصلنا إلى عصر ابن تيمية وتلاميذه عندما أغلق باب الاجتهاد والتفكير، وحل النقل مكان العقل، وتحول الإبداع إلى عبادة للماضي. (س):
لفت نظري في حديثك ما قلته عن عدم وجود مؤسسة دينية في الإسلام. هل لنا ببعض الإيضاح حول هذا؟ (ج):
بعد وفاة الرسول خلفه صاحبه أبو بكر الذي حمل لقب خليفة رسول الله، ولكن خلافة أبي بكر لم تكن خلافة دينية وإنما خلافة سياسية، بمعنى أنه لم يكن له مركز ديني أو سلطة دينية رسمية، وكان الناس يستفتونه في مسائل دينية لكونه من صحابة الرسول مثلما كانوا يستفتون بقية الصحابة. وبقيت الأمور على هذه الحال خلال خلافة عمر وعثمان وعلي. وعندما آلت الخلافة إلى بني أمية، لم يعد من الضروري أن يكون الخليفة من صحابة الرسول، وفقد منصب الخلافة أي صلة له بالصفة الدينية لشاغل المنصب، فكان الخليفة هو ملك العرب تحت مسمى إسلامي شكلي. وبهذه الطريقة لم تتحول الدولة العربية إلى دولة إسلامية في أي عصر من عصورها حتى في عصر الخلافة الفاطمية بمصر؛ حيث كان الإمام الإسماعيلي هو الخليفة؛ ولذلك لم يكن للمسلمين مؤسسة دينية تحكم شئونهم الدينية مثل الفاتيكان، ولا رئيس ديني مثل بابا الكاثوليك أو بطريرك القسطنطينية. ولم يكن لديهم أيضا رجال دين متفرغون ينتظمون في مراتب وظيفية كما هو الحال عند الخوارنة والقساوسة والمطارنة وغيرهم من أصحاب الرتب الكهنوتية في الكنيسة المسيحية. (س):
وماذا عن المرجعيات الدينية، وكيف نشأت إذن؟ (ج):
إن غياب السلطة الدينية عند المسلمين لم يكن يعني غياب المرجعيات الدينية؛ فلقد كان هناك على الدوام رجال وثق الناس بعلمهم وراحوا يستفتونهم في مسائل العقائد والعبادات والأحكام الشرعية، وكان من واجب هؤلاء العلماء الاستجابة لطالب الفتوى وإعطاؤه الجواب على سؤاله، ولكن هذه الفتوى ليست ملزمة، وبإمكان السائل أن يأخذ بها أو أن يلجأ إلى مرجعية أخرى. (س):
وماذا عن الجامع الأزهر وأمثاله من المؤسسات؟ أليست سلطات دينية؟ (ج):
الجامع الأزهر مؤسسة تعليمية، ولم يكن في وقت من الأوقات سلطة دينية. ومنذ القدم كان التعليم الديني يجري في حلقات المساجد؛ حيث كان علماء الدين يلتقون بتلاميذهم ويعطون علومهم لمن شاء من الرجال والنساء، ويمكن لمن اعتقد أنه أكمل تعليمه الديني أن يلبس الزي الديني، وهو العمامة والقفطان، دون تفويض من أحد أو حصوله على الإذن بذلك من أي جهة. ولا تختلف مؤسسات التعليم الديني الكبرى مثل الجامع الأزهر عن حلقات التعليم الحر إلا في أن من أكمل تعليمه فيها يحوز على ثقة أكبر من الناس باعتباره حاصلا على شهادة من مؤسسة تتمتع بسمعة عالية؛ أي إن السلطة الدينية لهؤلاء تأتي من الناس، من الأسفل لا من الأعلى. (س):
وماذا عن وزارة الشئون الدينية التي تدعى في بعض الدول العربية بوزارة الأوقاف؟ ماذا عن منصب مفتي الجمهورية؟ (ج):
وزارة الأوقاف هيئة إدارية بحتة تهتم بالمسائل الوقفية، وإدارة شئون المساجد، وتعيين الأئمة الذين يقودون الصلوات، والخطباء الذين يلقون خطبة أو موعظة يوم الجمعة، وتدفع لهم رواتب. أما مفتي الجمهورية فهو مرجعية دينية بلا سلطة على أحد، ومنصبه ذو طابع استشاري، ويمكن للسلطة السياسية عزله في أي وقت واستبدال آخر به. (س):
Shafi da ba'a sani ba