Allah Kawn Insan
الله والكون والإنسان: نظرات في تاريخ الافكار الدينية
Nau'ikan
لم يكن الهندي العادي، في الحقيقة، بحاجة إلى تلك الألوهة الخافية الغائبة براهمان، بقدر حاجته إلى إله مشخص قريب يمكن محبته وعبادته والدخول معه في علاقة محبة، إله يلبي له مطالبه اليومية، ويساعده على تجسد أفضل أو حتى على الانعتاق. وقد كان البراهمة مدركين لهذه الحقيقة، فحاولوا الحصول على نصيب لهم في الديانة الشعبية، وطوروا عقيدة تقول بأن براهمان يتجلى في عالم الظواهر من خلال ثلاثة آلهة تمثل الوظائف الرئيسية للألوهة، وهي الخلق والحفظ والتدمير، وهم برهما الخالق وفيشنو الحافظ وشيفا المدمر. وفي العلاقة مع هؤلاء تحل محبة الإله والإخلاص له محل الكدح الروحي، وتحل الأعمال وتأدية الواجبات محل العرفان. وقد أخذ هؤلاء الثلاثة يستوعبون إليهم وظائف عشرات الآلهة المحلية. وبذلك ظهرت إلى الوجود ابتداء من القرن الثاني قبل الميلاد الهندوسية الكلاسيكية التي سيطرت على المشهد الديني حتى الوقت الحاضر. وقد أنتجت هذه الهندوسية أدبا حل محل الفيدا والأوبانيشاد وغيرها من الأدبيات البراهمانية، لعل من أبرز مظاهره ملحمة الماهبهاراتا وملحمة النارايانا، وأسفار البورانا؛ أي القصص القديم.
كانت عبادة شيفا هي الأقوى والأكثر انتشارا قبل أن تكسفها عبادة فيشنو. والخصيصة الرئيسية لشيفا هي التدمير، إلا أن التدمير الذي يقوم به هو من أجل إفساح المجال لخلق جديد؛ فموت الحياة النباتية ليس سوى مقدمة لنشأة أشكال جديدة من الحياة تتغذى عليها الحياة الإنسانية، وموت الإنسان هو تحرر مؤقت وتحول إلى حياة أخرى جديدة. وعندما يقف شيفا عند نهاية الدورة الزمنية الكبرى في مركز الكون ، ويرقص رقصته الشهيرة الهادفة إلى تدميره، إنما يفعل ذلك من أجل خلق كون آخر. وبذلك فقد غدا شيفا المدمر رمزا لطاقة الحياة والتجدد، تساعده في ذلك زوجته شاكتي ذات الأسماء المتعددة؛ فهي مايا، ودوركا، وشاندي، وكالي السوداء. وتركز عبادة شيفا، أو الشيفاتية، على القران المقدس بينه وبين شاكتي، فنراهما في الرسوم والمنحوتات في حالة عناق واتحاد جسدي، وهذا الاتحاد هو الذي يديم طاقة الحياة فاعلة في عالم الطبيعة والكائنات الحية. وقد ينوب عن هيئة الإلهين منحوتة اللينغام-يوني، وهي تمثل عضو الذكورة وعضو الأنوثة في وضعية الاتحاد. وقد ينصب تمثال لقضيب شيفا في المعبد وفيه كوة تبدو من خلفها شاكتي.
كانت عبادة شاكتي في البداية موضوعا ثانويا لعبادة شيفا، ولكنها تحولت في المناطق الشمالية الشرقية إلى عبادة مستقلة تدعى بالشاكتية. وقد ركزت هذه العبادة على شاكتي باعتبارها الإلهة الأم المجسدة لطاقة الطبيعة الجامعة للحياة والموت، وهذه الطاقة ليست سوى مايا، الطاقة الخلاقة لبراهمان، والتي يقول فيها المعلم الهندوسي راما كريشنا، الذي عاش في القرن التاسع عشر الميلادي، ما يأتي: «عندما أفكر في الكائن الأعلى في حالته السكونية عندما لا يحفظ ولا يدمر ولا يبدع فإني أسميه براهمان. وعندما أفكر في حالته الفعالة عندما يحفظ ويدمر ويبدع فإني أسميه شاكتي أو مايا أو كالي. براهمان ومايا شيء واحد، تماما كما هو الحال مع الحليب وبياضه أو الماس وبريقه؛ حيث من المستحيل تصور هذا بدون ذاك. الأم الإلهية وبراهمان هما براهمان وقوته.» (س):
يبدو أن مفهوم المايا هو قاسم مشترك بين العقائد الهندوسية! (ج):
هو قاسم مشترك بين معظم تلك العقائد، ووظيفته هي تفسير الصلة بين الواحد غير المتجزئ والكثرة التي صدرت عنه بواسطة المايا، وهذه الكلمة في اللغة السنسكريتية تعني الوهم والخيال وكل مظهر خادع؛ فالمايا، القوة المقدسة لبراهمان، هي التي تولد المشهد الكوني وتفعل من داخله، وفي الوقت نفسه هي ذلك المشهد بعينه، ولكن ما تولده المايا لا يتمتع بوجود حقيقي لأنه دائم التبدل والتغير، لا يثبت على حال وأشبه ما يكون بحلم يمر في عقل براهمان؛ ففيما عدا براهمان الكينونة الكاملة والوجود الحق، كل شيء مؤقت وعابر، مظهره كالرغوة التي لا قوام لها أو كالسراب الخادع، إنه ليس بموجود ولا غير موجود؛ لأنه يتكئ على براهمان كأصل له، لكن براهمان لا تصله بالعالم صلة سببية؛ لأن العالم ظهر على يد الإله الخالق برهما أو الإله إشفارا عبر المايا. (س):
هذا شيء صعب قبوله على الفهم العادي. هل نحن أيضا وهم في جملة ذلك الوهم الكبير؟ (ج):
حسنا، إذا سألتك: من أنت؟ تقول لي فلان ابن فلان، ولكن من هو فلان؟ هل هو ذلك الجنين في بطن أمه؟ لقد تحول الجنين إلى رضيع بعد الولادة، والرضيع تحول إلى طفل، والطفل إلى مراهق، والمراهق إلى شاب، والشاب إلى كهل، والكهل إلى شيخ، والشيخ ارتفع من الوجود، فأي من هذه الأحوال المتبدلة يمكن أن يمثل فلانا؟ إذا لم تحر جوابا أقول لك إذا لم يكن أي من هذه الأحوال يمثل فلانا، فوجوده لم يكن سوى مايا. (س):
ولكن النفس ليست مايا، إنها شيء حقيقي لأنها من نفس براهمان. (ج):
هذا صحيح، ولكن النفس واقعة في إسار الجهل الذي يوحي لها بأنها نفس مستقلة، وما دامت على جهلها هذا فإنها تعاين الكثرة والتنوع، كثرة الموضوعات الطبيعية وكثرة النفوس البشرية، ولكنها عندما تفلح في الانعتاق فإن الوهم الكبير ينجلي وترى كل شيء متوحدا في براهمان، فتنمحي الحدود بين الظواهر وتذوب الفروق بين الأرواح التي كانت تعيش وهم التفرد والاستقلال. (س):
هل لفكرة وهمية عالم الظواهر معادل خارج فكر الهند؟ (ج):
Shafi da ba'a sani ba