Allah Kawn Insan
الله والكون والإنسان: نظرات في تاريخ الافكار الدينية
Nau'ikan
على الرغم من أني أستخدم مصطلح تاريخ الأديان لوصف طبيعة موضوعي، إلا أن الوصف الأدق له هو فينومينولوجيا الدين. وفينومينولوجيا الدين تقع في الوسط بين فلسفة الدين وتاريخ الأديان؛ ففلسفة الدين هي تعبير عن فكر صاحبها وتوجهاته ومواقفه، وهي معنية بالتأمل لا بدراسة الوقائع. وبما أنني لست راغبا في تقديم وجهة نظر شخصية في مسألة الدين، وإنما أهدف إلى وصفه وتحديده موضوعيا ، فقد ابتعدت عن فلسفة الدين وعن إقحام أي رأي شخصي مسبق. أما تاريخ الأديان فيعتمد منهجا يقوم على تحليل الأديان في سياقها التاريخي؛ أي إنه يلجأ إلى الكشف عما حدث فعلا، دون العناية بفهم ما حدث أو تقديم تركيب منظم يجمع الظواهر الدينية التي يدرسها إلى ظاهرة واحدة.
أما المنهج الفينومينولوجي (الظاهراتي) في دراسة الدين فهو تطبيق لطرائق الفينومينولوجيا الفلسفية التي وضع أسسها إدموند هوسرل على دراسة تاريخ الدين. وما يميز فينومينولوجيا الدين بشكل خاص هو نظرتها العمومية الشمولية، وذلك من خلال تقصيها لكل ما هو مشترك وعام بين الأديان. وهي إذ تصف وتنمذج موضوعاتها، فإنها تعمل على استقصاء البنية الجوهرية والمعنى في الظاهرة الدينية. وعلى الرغم من أن الظاهراتي يتحاشى فرض أحكامه وقيمه على موضوع بحثه، إلا أنه ينطلق في الوقت نفسه من موقف متعاطف مع هذا الموضوع، لا سيما مع الجانب الإنساني فيه؛ فهو في وصفه للكيفية التي يعي بها المؤمن إيمانه ويفهمه، يحترم القيمة المطلقة التي يعزوها هذا المؤمن لعقيدته؛ فالفينومينولوجي عندما يتحدث مثلا عن الميلاد العذري في المسيحية، لا يعنى إلا بوجود مثل هذه الفكرة دون التطرق إلى صحتها أو خطئها. وهنا دعني أقول لك بأن أي فكرة تكتسب الطابع الموضوعي عندما تترسخ بإجماع الناس عليها وتغدو فاعلة ومؤثرة، مثل أي فكرة قائمة على التجربة.
إن خلاصة ما أود أن أقوله هو أن التعاطف لا يعني الانحياز، وإذا كان لدى الباحث رأي مسبق فيما يتعلق بموضوع بحثه، فإن عليه أن يضعه على الرف مؤقتا، ويقبل على بحثه بعقل فارغ من الآراء المسبقة، وهذا ما سوف يعينه على توسيع وتعميق معارفه، وربما على تعديل تلك الأفكار المسبقة التي كان يملكها.
وهنا تخطر في بالي قصة من قصص بوذية الزن ذات مغزى بالنسبة لما أسوقه هنا؛ فقد جاء إلى أحد معلمي الزن أستاذ جامعي اشتهر بمؤلفاته الكثيرة في العلوم الإنسانية، وقال له إنه يريد أن يتعلم الزن على يديه، فاستقبله المعلم بترحاب ودعاه إلى تناول الشاي، ثم راح يسكب له الشاي في كأسه، وعندما امتلأت تابع السكب حتى فاض الشاي من حواف الكأس، فقال له الأستاذ: يا معلم، انتبه. فأجابه المعلم: يا سيد، إن الكأس المليئة لا تستوعب المزيد كما ترى، وأنت جئتني مليئا بالأفكار. إن أردت أن تتعلم فأفرغ رأسك. (س):
أنت تتحدث هنا عن قوة الفكرة، وهذا ما يثير في ذهني سؤالا عن دور الأفكار في تاريخ الحضارة. (ج):
الأفكار هي القوة الرئيسية المسيرة للحضارة والتاريخ، لا فرق في ذلك بين فكرة تقوم على التجربة، وفكرة لا نستطيع البرهان على صحتها أو خطئها، لكنها ترسخت بإجماع الناس، وفكرة ثالثة خاطئة. وفي الحقيقة فإن الأفكار الخاطئة ربما تلعب دورا أكثر أهمية من غيرها في بعض الفترات، ومثال على ذلك فكرة تفوق العرق الآري على بقية الأعراق في الأيديولوجيا النازية، وما أدت إليه من كوارث إنسانية. واليوم نرى أن الأفكار الخاطئة عن الإسلام تستولي على عقول كثير من المسلمين، وتكسف الأفكار الصحيحة؛ فالإرهابي الذي يقتل باسم الإسلام دون تمييز لم يقرأ، أو أنه يتجاهل الآية القرآنية القائلة:
من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا (سورة المائدة: 32). والإرهابي الذي يحرق الكنائس المسيحية ويهجر المسيحيين من أراضيهم ومساكنهم يتجاهل الآية القرآنية التي توصي بالصداقة والتراحم بين المسلمين والمسيحيين (= النصارى)، والتي تقول:
لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا (= للمسلمين)
الذين قالوا إنا نصارى (سورة المائدة: 82). (س):
أريد العودة إلى ما قلته حول تعاطفك مع الدين واحترامك للقيمة التي يعزوها المؤمن لعقيدته، وأتساءل هنا: لماذا إذن يتهمك البعض بالعداء للدين؟ فلقد سمعنا هذا الرأي مرارا من مسلمين ومسيحيين؟ (ج):
Shafi da ba'a sani ba