441

الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية

الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية

Mai Buga Littafi

دار القلم

Lambar Fassara

الأولى

Shekarar Bugawa

١٤٣٨ هـ - ٢٠١٧ م

Inda aka buga

بيروت - لبنان

Nau'ikan

وقوله تعالى: ﴿اسْجُدُوا لآدَمَ﴾ [البقرة: ٣٣]، أي: اسجدوا لي مستقبلين وجه آدم، وهو كقوله تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ [الإسراء: ٧٨] أي عند دلوك الشمس وكقوله: ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ [ص: ٧٢] أي فقعوا لي عند إتمام خلقه ومواجهتكم إياه ساجدين (١).
وأخرج الطبري: " عن قتادة، قوله: ﴿وإذْ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم﴾، فكانت الطاعة لله، والسجدة لآدم، أكرم الله آدم أن أسْجَد له ملائكته" (٢).
وقد استدل من فضل آدم وبنيه بقوله تعالى للملائكة: ﴿اسْجُدُوا لآدَمَ﴾، قالوا: وذلك يدل على أنه كان أفضل منهم، وهذا القول فيه نظر.
وحكى النقاش عن مقاتل: "أن الله إنما أمر الملائكة بالسجود لآدم قبل أن يخلقه" (٣).قال ابن عطية: "والقرآن يرد على هذا القول" (٤).
وقال قوم: "سجود الملائكة كان مرتين" (٥). قال ابن عطية: "والإجماع يرد هذا" (٦).
واختلف اهل العلم في كيفية سجود الملائكة لآدم بعد اتفاقهم على أنه لم يكن سجود عبادة، وذكروا وجوها في ذلك (٧):
أحدها: كان هذا أمرا للملائكة بوضع الجباه على الأرض، كالسجود المعتاد في الصلاة، لأنه الظاهر من السجود في العرف والشرع، وعلى هذا قيل: كان ذلك السجود تكريما لآدم وإظهارا لفضله، وطاعة لله تعالى، وكان آدم كالقبلة لنا، ومعنى "لآدم": إلى آدم، كما يقال صلى للقبلة، أي إلى القبلة. وهذا قول الجمهور.
والثاني: لم يكن هذا السجود المعتاد اليوم الذي هو وضع الجبهة على الأرض، ولكنه مبقى على أصل اللغة، فهو من التذلل والانقياد، أي اخضعوا لآدم وأقروا له بالفضل، ﴿فَسَجَدُوا﴾ أي امتثلوا ما أمروا به.
قال ابن عطية: " وفي هذه الوجوه كلها كرامة لآدم ﵇" (٨).
واختلف أيضا هل كان ذلك السجود خاصا بآدم ﵇ أم كان مباحا إلى عصر الرسول-ﷺ، وفيه قولين:
أحدهما: أن ذلك السجود كان خاصا بآدم فلا يجوز السجود لغيره من جميع العالم إلا لله تعالى.
والثاني: أن ذلك السجود كان جائزا بعد آدم إلى زمان يعقوب ﵇، لقوله تعالى: ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا﴾ [يوسف: ١٠٠] فكان آخر ما أبيح من السجود للمخلوقين.
والصحيح: أن سجود التحية والإكرام كان مباحا إلى عصر رسول الله ﷺ، وكان مباحا في الشرائع السابقة إلى أن نسخ في شريعتنا، ومن المعلوم أن السجود لغير الله على وجه العبادة لم يكن مباحًا في أية شريعة فكل الأنبياء نهوا عن ذلك وبلغوا أقوامهم، روي عن عبدالله بن أبي أوفى أنه: لمَّا قدِمَ معاذٌ منَ الشَّامِ سجدَ للنَّبيِّ ﷺ قالَ ما هذا يا مُعاذُ قالَ أتيتُ الشَّامَ فوافقتُهُم يسجُدونَ لأساقفتِهِم وبطارقتِهِم فوَدِدْتُ في نَفسي أن نفعلَ ذلِكَ بِكَ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ "وسلَّمَ فلا تفعَلوا فإنِّي لو كُنتُ آمرًا أحدًا أن يسجُدَ لغيرِ اللَّهِ لأمَرتُ المرأةَ أن تسجُدَ لزوجِها والَّذي نَفسُ محمَّدٍ بيدِهِ لا تؤدِّي المرأةُ حقَّ ربِّها حتَّى تؤدِّيَ حقَّ زوجِها ولو سألَها نفسَها وَهيَ علَى قتَبٍ لم تمنعْهُ" (٩).

(١) انظر: تفسير القرطبي: ١/ ٢٩٢.
(٢) تفسير الطبري (٧٠٧): ص ١/ ٥١٢.
(٣) نقلا عن: المحرر الوجيز: ١/ ١٢٤.
(٤) المحرر الوجيز: ١/ ١٢٤.
(٥) المحرر الوجيز: ١/ ١٢٤.
(٦) المحرر الوجيز: ١/ ١٢٤.
(٧) انظر: تفسير القرطبي: ١/ ٢٩٣.
(٨) المحرر الوجيز: ١/ ١٢٤.
(٩) صحيح ابن ماجة: ١٥١٥. حديث حسن صحيح.
ورد من حديث جماعة من أصحاب النبي -صلي الله عليه وسلم -، منهم أبو هريرة، وأنس بن مالك، وعبد الله بن أبى أوفى، ومعاذ بن جبل، وقيس بن سعد، وعائشة بنت أبي بكر الصديق. ١ - حديث أبى هريرة، يرويه أبو سلمة عنه عن النبي (صلي الله عليه وسلم) قال: فذكره. أخرجه الترمذي (١/ ٢ ١ ٧) وابن حبان (١٢٩١) والبيهقي (٧/ ٢٩١) والواحدي في (الوسيط) (١/ ١٦١ / ٢) من طريق محمد بن عمرو عن أبى سلمة به وزادوا إلا الترمذي: (لما عظم الله من حقه عليها). وقال: (حسن غريب). وهو كما قال. ولفظ ابن حبان: (أن رسول الله (صلي الله عليه وسلم) دخل حائطا من حوائط الأنصار، فإذا فيه جملان يضربان ويرعدان، فاقترب رسول اللة (صلي الله عليه وسلم) منهما، فوضعا جرانهما بالارض، فقال من معه: (نسجد لك؟ فقال النبي (صلي الله عليه وسلم): ما ينبغى لأحد أن يسجد لأحد، ولو كان أحد ينبغى له أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لما عظم الله عليها من حقه). قلت: وإسناده حسن. / صفحة ٥٥ / وأخرجه الحاكم (٤/ ١٧١ - ١٧٢) والبزار من طريق سليمان بن أبى سليمان عن يحيى بن أبى كثير عن أبي سلمة به نحوه دون قصة الجملين. وقال الحاكم: (صحيح الإسناد). ورده المنذري في (الترغيب) (٣/ ٧٥) والذهبي في (التلخيص) بأن سليمان وهو اليمامى ضعفوه. ٢ - حديث أنس بن مالك. يرويه خلف بن خليفة عن حفص بن أخى أنس عن أنس قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وسلم): (لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها). أخرجه النسائي (ق ٨٥/ ٢) وأحمد (٣/ ١٥٨) وكذا البزار كما في (المجمع) (٩/ ٤) وقال: (ورجاله رجال الصحيح غير حفص بن أخى أنس، وهو ثقة). وقال المنذري: (رواه أحمد بإسناد جيد، رواته ثقات مشهورون، والبزار بنحوه). قلت: وهو كما قالا، لولا أن خلف بن خليفة - وهو من رجال مسلم، وشيخ أحمد فيه - كان اختلط في الآخر، فلعل أحمد سمعه منه قبل اختلاطه. وهو عنده مطول، فيه قصة الجمل وسجوده للنبى (صلي الله عليه وسلم)، فهو شاهد جيد لحديث أبي هريرة المتقدم. ٣ - حديث عبداللة بن أبى أوفى، يرويه القاسم الشيباني عنه قال: (لما قدم معاذ من الشام، سجد للنبى (ص)، قال: ما هذا يا معاذ؟ ! * (هامش) * (١) كذا وقع في مسلم، وهو خطأ مطبعى، والصواب (عن) كما في) المسند) وهو ثقة). / صفحة ٥٦ / قال: أتيت الشام فوافيتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم، فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك، فقال رسول الله (صلي الله عليه وسلم): فلا تفعلوا، فإنى لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها، ولو سألها نفسها وهى على قتب لم تمنعه). أخرجة ابن ماجه (١٨٥٣) وابن حبان (١٢٩ ٠) والبيهقي (٧/ ٢٩٢) من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن القاسم به. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجال الشيخين غير القاسم هذا وهو ابن عوف الشيباني الكوفي، وهو صدوق يغرب كما في (التقريب) وروى له مسلم فرد حديث. وتابعه إسماعيل، وهو ابن علية ثنا أيوب به نحوه. أخرجه أحمد (٤/ ٣٨١). وخالفه معاذ بن هشام الدستوائى حدثنى أبى حدثنى القاسم بن عوف الشيباني ثنا معاد بن جبل أنه أتى الشام فرأى النصارى. . . الحديث نحوه. أخرجه الحاكم (٤/ ١٧٢) وقال: (صحيح على شرط الشيخين). ووافقه الذهبي. كذا قالا! والقاسم لم يخرج له البخاري، ثم إن معاذ بن هشام الدستوائى فيه كلام من قبل حفظه، وفي (التقريب): (صدوق ربما وهم). فأخشى أن يكون وهم في جعله من مسند معاذ نفسه، وفي تصريح القاسم بسماعه منه. والله أعلم. نعم قد روي عن معاذ نفسه إن صح عنه، وهو: / صفحة ٥٧/ ٤ - حديث معاذ. رواه أبو ظبيان عنه. (أنه لما رجع من اليمن قال: يا رسول الله. . .). فذكره مختصرا. أخرجه أحمد (٢٢٧/ ٥): ثنا وكيع ثنا الأعمش عن أبي ظبيان. وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، لكن أبو ظبيان لم يسمعه من معاذ، واسمه حصين بن جندب الجنبى الكوفي. ويدل على ذلك أمور: أولا: قال ابن حزم في أبي ظبيان هذا: (لم يلق معاذا، ولا أدركه). ثانيا: قال ابن أبى شيبة في (المصنف) (٧/ ٤٧ / ١): ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبى ظبيان قال: (لما قدم معاذ من اليمن. . .). قلت: فأرسله، وهو الصواب. ثالثا: قال أحمد وابن أبى شيبة: ثنا عبد الله بن نمير قال: نا الأعمش عن أبي ظبيان عن رجل من الأنصار عن معاذ بن جبل بمثل حديث أبي معاوية. فتأكدنا من انقطاع الحديث بين أبي ظبيان ومعاذ، أو أن الواسطة بينهما رجل مجهول لم يسمه. ٥ - حديث قيس بن سعد. يرويه الشعبى عنه قال: (أتيت الحيرة، فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم، فقلت: رسول الله أحق أن يسجد له، قال: فأتيت النبي (صلي الله عليه وسلم)، فقلت: إنى أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم، فانت يا رسول الله أحق أن نسجد لك، قال: أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له؟ قال: قلت: لا، قال: فلا تفعلوا، لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد، لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن، لما جعل الله لهم عليهن من الحق). / صفحة ٥٨ / أخرجه أبو داود (٢١٤٠) والحاكم (٢/ ١٨٧) والبيهقي (٧/ ٢٩١) من طريق شريك عن حصين عن الشعبى. وقال الحاكم: (صحيح الأسناد لما. ووافقه الذهبي. وأقول: شريك هو ابن عبد الله القاضي وهو سئ الحفظ. ٦ - حديث عائشة. يرويه سعيد بن المسيب عنها مرفوعا بلفظ: (لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها. ولو أن رجلا أمر امرأة أن تنقل من جبل أحمر إلى جبل أسود، ومن جبل أسود إلى جبل أحمر، لكان نوطا أن تفعل). أخرجه ابن ماجه (١٨٥٢) وابن أبي شيبة (٧/ ٤٧ / ٢) وأحمد (٦/ ٧٦) من طريق على بن زيد عن سعيد به. وفيه عند أحمد قصة الجمل المتقدمة من حديث أبى هريرة وأنس. وعلي بن زيد هو ابن جدعان وهو ضعيف. وفي الباب عن ابن عباس عند الطبراني في (المعجم الكبير) (٣/ ١٤٣ / ١) وفيه قصة الجمل. وفيه أبو عزة الدباغ وأسمه الحكم بن طهمان وهو ضعيف. وعن زيد بنرقم عند أبى إسحاق إبراهيم بن محمد بن أبى ثابت في (حديثه) (٢/ ١٤٣ / ١). وفيه صدقة وهو ابن عبد الله السمين، ومن طريقه رواه الطبراني في (الكبير) والأوسط، والبزار كما في (المجمع) (٤/ ٣١٠) وقال: (وثقه أبو حاتم وجماعة، وضعفه البخاري وجماعة).

2 / 183