396

الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية

الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية

Mai Buga Littafi

دار القلم

Lambar Fassara

الأولى

Shekarar Bugawa

١٤٣٨ هـ - ٢٠١٧ م

Inda aka buga

بيروت - لبنان

Nau'ikan

قوله تعالى: ﴿وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: ٢٦]، "أي" دائمون لا يموتون فيها ولا يخرجون منها" (١).
قال ابن عثيمين: أي: " ماكثون لا يخرجون منها" (٢).
قال ابن كثير: " هذا هو تمام السعادة، فإنهم مع هذا النعيم في مقام أمين من الموت والانقطاع فلا آخر له ولا انقضاء، بل في نعيم سرمدي أبدي على الدوام، والله المسؤول أن يحشرنا في زمرتهم، إنه جواد كريم، بر رحيم" (٣).
الفوائد:
١ من فوائد الآية: مشروعية تبشير الإنسان بما يسر؛ لقوله تعالى: ﴿وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾؛ ولقول الله ﵎: ﴿وبشرناه بإسحاق نبيًّا من الصالحين﴾ [الصافات: ١١٢]، وقوله تعالى: ﴿وبشروه بغلام عليم﴾ [الذاريات: ٢٨]، وقوله تعالى: ﴿فبشرناه بغلام حليم﴾ [الصافات: ١٠١]؛ فالبشارة بما يسر الإنسان من سنن المرسلين. عليهم الصلاة والسلام؛ وهل من ذلك أن تبشره بمواسم العبادة، كما لو أدرك رمضان، فقلت: هنّاك الله بهذا الشهر؟ الجواب: نعم؛ وكذلك أيضًا لو أتم الصوم، فقلت: هنّأك الله بهذا العيد، وتقبل منك عبادتك وما أشبه ذلك؛ فإنه لا بأس به، وقد كان من عادة السلف.
٢ ومن فوائد الآية: أن الجنات لا تكون إلا لمن جمع هذين: الإيمان، والعمل الصالح.
فإن قال قائل: في القرآن الكريم ما يدل على أن الأوصاف أربعة: الإيمان؛ والعمل الصالح؛ والتواصي بالحق؛ والتواصي بالصبر؟
فالجواب: أن التواصي بالحق، والتواصي بالصبر من العمل الصالح، لكن أحيانًا يُذكر بعض أفراد العام لعلة من العلل، وسبب من الأسباب.
٣ ومنها: أن جزاء المؤمنين العاملين للصالحات أكبر بكثير مما عملوا، وأعظم؛ لأنهم مهما آمنوا، وعملوا فالعمر محدود، وينتهي؛ لكن الجزاء لا ينتهي أبدًا؛ هم مخلدون فيه أبد الآباد؛ كذلك أيضًا الأعمال التي يقدمونها قد يشوبها كسل؛ قد يشوبها تعب؛ قد يشوبها أشياء تنقصها، لكن إذا منّ الله عليه، فدخل الجنة فالنعيم كامل.
٤ ومنها: أن الجنات أنواع؛ لقوله تعالى: ﴿جنات﴾؛ وقد دل على ذلك القرآن، والسنة؛ فقال الله تعالى: ﴿ولمن خاف مقام ربه جنتان﴾ [الرحمن: ٤٦]، ثم قال تعالى: ﴿ومن دونهما جنتان﴾ [الرحمن: ٦٢]؛ وقال النبي ﷺ "جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما؛ وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما (٤) ".
٥ ومنها: تمام قدرة الله ﷿ بخلق هذه الأنهار بغير سبب معلوم، بخلاف أنهار الدنيا؛ لأن أنهار الماء في الدنيا معروفة أسبابها؛ وليس في الدنيا أنهار من لبن، ولا من عسل، ولا من خمر؛ وقد جاء في الأثر (٥) أنها أنهار تجري من غير أخدود. يعني لم يحفر لها حفر، ولا يقام لها أعضاد تمنعها؛ بل النهر يجري، ويتصرف فيه الإنسان بما شاء. يوجهه حيث شاء؛ قال ابن القيم ﵀ في النونية: .
أنهارها في غير أخدود جرت سبحان ممسكها عن الفيضان ٦. ومن فوائد الآية: أن من تمام نعيم أهل الجنة أنهم يؤتون بالرزق متشابهًا؛ وكلما رزقوا منها من ثمرة رزقًا قالوا: هذا الذي رُزقنا من قبل؛ وهذا من تمام النعيم، والتلذذ بما يأكلون.
٧ ومنها: إثبات الأزواج في الآخرة، وأنه من كمال النعيم؛ وعلى هذا يكون جماع، ولكن بدون الأذى الذي يحصل بجماع نساء الدنيا؛ ولهذا ليس في الجنة مَنِيّ، ولا مَنِيَّة؛ والمنيّ الذي خلق في الدنيا إنما خُلق لبقاء النسل؛ لأن هذا المنيّ مشتمل على المادة التي يتكون منها الجنين، فيخرج بإذن الله تعالى ولدًا؛ لكن في الآخرة لا يحتاجون إلى ذلك؛ لأنه لا حاجة لبقاء النسل؛ إذ إن الموجودين سوف يبقون أبد الآبدين لا يفنى

(١) تفسير الببغوي: ١/ ٧٤.
(٢) تفسير ابن عثيمين: ١/ ٩٣.
(٣) تفسير ابن كثير: ١/ ٢٠٦. وانظر: محاسن التأويل: ١/ ٢٧٧.
(٤) أخرجه البخاري ص ٤١٧، كتاب التفسير، سورة الرحمن، باب ١: قوله: (ومن دونهما جنتان ..)، حديث رقم ٤٨٧٨؛ وأخرجه مسلم ص ٧٠٩، كتاب الإيمان، باب ٨٠: إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم ﷾، حديث رقم ٤٤٨ [٢٩٦] ١٨٠.
(٥) أخرج الطبري هذا الأثر في تفسيره عن مسروق ١/ ٣٨٤، رقم ٥٠٩ ن ٥١٠، ٥١١؛ ورجاله ثقات.

2 / 136