الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية
الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية
Mai Buga Littafi
دار القلم
Lambar Fassara
الأولى
Shekarar Bugawa
١٤٣٨ هـ - ٢٠١٧ م
Inda aka buga
بيروت - لبنان
Nau'ikan
وصحف إبراهيم وموسى وغيرها ..، لا يفرّقون بين كتب الله ولا بين رسله، و"بدأ بالقرآن مع أنه آخرها زمنًا، لأنه مهيمن على الكتب السابقة ناسخ لها" (١).
اختلف العلماء في الموصوفين هنا، هل هم الموصوفون بما تقدم من قوله تعالى ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: ٣] على قولين:
أحدهما: أن الموصوفين أولًا مؤمنوا العرب، والموصوفون ثانيًا بقوله ﴿والذين يؤمون بما أنزل إليك ..﴾، لمؤمني أهل الكتاب (٢)، ورجح هذا القول ابن جرير الطبري ﵀ (٣).
والثاني: وقيل: أن هؤلاء هم الموصوفون قبل هذه الآية، وهم مؤمنوا العرب ومؤمنوا أهل الكتاب، ورجح هذا ابن كثير (٤).
ويدل لصحة هذا القول أن الله أمر بذلك فقال سبحانه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء: ١٣٦]، وقال تعالى ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [العنكبوت: ٤٦] (٥).
قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ [البقرة: ٤]، " أي يصدقونه بكل ما جئت به عن الله تعالى" (٦).
قال ابن عباس: " أي: يصدقونك بما جئت من الله" (٧).
قوله تعالى: ﴿وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾، [البقرة: ٤]، "أي وبما جاءت به الرسل من قبلك، لا يفرّقون بين كتب الله ولا بين رسله" (٨).
(١) تفسير ابن عثيمين: ١/ ٤١.
(٢) وفيها فضل للكتابي الذي آمن بنبيه ثم آمن بمحمد ﷺ، ففي الصحيحين عَنْ أَبِي مُوسى ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ""ثَلاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الكتاب آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَأَدْرَكَ النَّبِيَّ فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ وَصَدَّقَهُ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَعَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَدَّى حَقَّ الله تَعَالَى وَحَقَّ سَيِّدِهِ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَرَجُلٌ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَغَذَاهَا فَأَحْسَنَ غِذَاءَهَا. ثُمَّ أَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ أَدَبَهَا. ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا، فَلَهُ أَجْرَانِ"، ثُمَّ قَالَ الشَّعْبِيُّ لِلْخُرَاسَانِيِّ: خُذْ هذَا الْحَدِيثَ بِغَيْرِ شَيْءٍ. فَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَرْحَلُ فِيمَا دُونَ هذَا إِلَى الْمَدِينَةِ". (أخرجه مسلم حديث (١٥٤)، وأخرجه البخاري في " كتاب العلم" " باب تعليم الرجل أمته وأهله" حديث (٩٧)، وأخرجه الترمذي في " كتاب النكاح" " باب ما جاء في الفضل في ذلك " حديث (١١١٦)، وأخرجه النسائي " كتاب النكاح" " باب عتق الرجل جاريته ثم يتزوجها " حديث (٣٣٤٤) وابن ماجه: كتاب النكاح " " باب الرجل يعشق أمته ثم يتزوجها" حديث (١٩٥٦).
ومن من فوائد الحديث:
الفائدة الأولى: الحديث دليل على فضل من آمن من أهل الكتاب بنبيه ثم آمن بنبينا ﷺ فإن له أجرين، وذهب بعض أهل العلم ومنهم الكرماني إلى أن هذا الفضل خاص بمن آمن بالنبي ﷺ في زمن بعثته أما من آمن من أهل الكتاب بعد وفاة النبي ﷺ فلا يدخل في الفضل؛ لأن نبيهم بعد البعثة هو محمد ﷺ، والقول الثاني أنه يدخل لعدم المخصص واختاره ابن حجر ﵀. (انظر الفتح: ١/ ١٩١).
والحكمة من المضاعفة: أن الأجر الأول ترتب على إيمانه بنبيه قبل النسخ، والأجر الثاني لإيمانه بمحمد ﷺ.
قال النووي ﵀: " فيه فضيلة من آمن من أهل الكتاب بنبينا ﷺ، وأن له أجرين، لإيمانه بنبيه قبل النسخ، والثاني لإيمانه بنبينا ﷺ". (شرح النووي لصحيح مسلم: ٢/ ٣٦٥).
وظاهر الحديث أن من انتسب لأهل الكتاب ولم يكن انتماؤه للحق الذي جاء به نبيه وإنما على عقيدة محرمة فإنه لا يدخل في فضل الأجرين، وإن زعم أنه من أهل الكتاب، لقوله ﷺ " رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الكتاب آمَنَ بِنَبِيِّهِ " ومن لم يكن على ما جاء به نبيه فإنه لم يؤمن به.
قال القرطبي ﵀: " وأما من اعتقد الإلهية لغير الله تعالى كما تعتقده النصارى اليوم، أو مَن لم يكن على حق في ذلك الشرع الذي ينتمي إليه، فإذا أسلم جبَّ الإسلام ما كان عليه من الفساد والغلط، ولم يكن له حق يؤجر عليه إلا الإسلام خاصة والله أعلم". (المفهم: ١/ ٣٦٩).
(٣) انظر تفسيره: ١/ ٢٤٤ - ٢٤٥، ذكرا خبرا عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب رسول الله ﷺ، " والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون ": هؤلاء المؤمنون من أهل الكتاب. (تفسير الطبري: ١/ ٢٤٥).
(٤) انظر تفسيره: ١/ ١٧٠.
(٥) انظر تفسير ابن كثير: ١/ ١٧١.
(٦) صفوة التفاسير: ١/ ١٢٦.
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم (٨٠): ص ١/ ٣٨.
(٨) صفوة التفاسير: ١/ ١٢٦.
2 / 50