272

Lu'ulu'u Mai Haske - Kashi Na Farko

الجزء الأول

Nau'ikan

Fikihu Shia

وسببها أنه شاع ب(المدينة) أن (الروم) قد جمعت جموعا كثيرة ب(الشام)، وأجلب معهم قبائل ممن يليهم من العرب، وقدموا مقدماتهم إلى (البلقاء)، ولم يكن شيئا من ذلك، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يغزو بغزوة إلا ورى بغيرها، حتى كانت غزوة (تبوك) فإنها كانت في حر شديد، واستقبل (صلى الله عليه وآله) سفرا بعيدا وعدوا كبيرا، فجلى للناس أمرهم وأخبرهم بالوجه الذي يريده ليتأهبوا لذلك أهبته، وبعث صلى الله عليه وآله وسلم إلى جميع القبائل وإلى (مكة) يستنفرهم، وحض الناس على الجهاد، ورغب في الصدقة، فجاء المسلمون بصدقات كثيرة حتى النساء، وكان عثمان بن عفان أكثر الناس نفقة يومئذ، وعسكر بثنية الوداع وكانوا ثلاثين ألفا، وقيل: أربعين ألفا، وقيل: سبعين ألفا، ومعهم عشرة الآف فرس، واثنا عشر ألف بعير، وسار (صلى الله عليه وآله)، واستخلف عليا عليه السلام على (المدينة) فشق ذلك عليه في خبر طويل، فقال له: ((أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؛ إلا أنه لا نبي بعدي))، وتخلف عنه صلى الله عليه وآله وسلم المنافقون أكثرهم، والمعذرون من الأعراب، وقليل من المؤمنين أبطأت بهم النية، وهم [الثلاثة](2) الذين ذكرهم الله عز وجل وتاب عليهم، وكان من خرج من المنافقين يتكلمون بما فيه طعن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتوهين لأمره، فأطلعه الله على ذلك، ولما نبأهم به أنكر بعضهم وحلفوا ما قالوا شيئا، وقال بعضهم: إنما كنا نخوض ونلعب، وقال صلى الله عليه وآله وسلم ذات ليلة: ((إنها ستهب الليلة ريح شديدة، ولم يقم أحد إلا ومعه صاحبه، ومن كان معه بعير فليوثق عقاله، فهاجت ريح شدسيدة ولم يقم أخد إلا ومعه صاحبه)) إلا رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما لحاجته فصرع، وخرج الآخر في طلب بعير له فاحتملته الريح حتى طرحته (1) بجبلي طيئ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((ألم أنهكم)) ثم مسح على المصروع فشفي، وقدمت طيئ بالآخر إلى (المدينة) [بعد ذلك](2)، وأصبحوا ذات يوم ولا ماء معهم، فشكوا ذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فاستقبل القبلة ودعا، ولا يرى في السماء سحاب، فما زال يدعو حتى تآلف السحاب، ولم يرم من مقامه حتى سحت السماء بالرواء، فسقى الناس وارتووا عن آخرهم، وقال (صلى الله عليه وآله): ((إنكم ستأتون غدا إن شاء الله تعالى عين تبوك، فمن جاءها فلا يمس شيئا من مائها حتى آتي)) فسبق رجلان من المنافقين إليها والعين تبض بشيئ من ماء، فسألهما رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((هل مسستما من مائها شيئا؟))، فقالا: نعم، فسبهما وقال لهما ما شاء الله أن يقول، ثم غرفوا من العين بأيدهم قليلا قليلا حتى اجتمع في إناء، ثم غسل [به](3) وجهه ويديه، ثم أعاده فيها فجاشت العين بماء كثير فاستقى الناس، ثم قال (صلى الله عليه وآله): ((توشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ماءها قد ملأ جنابا))، ولما انتهى صلى الله عليه وآله وسلم إلى (تبوك) ولم يجد شيئا مما كان بلغه عن (الروم)، فرجع إلى (المدينة)، وكان في هذه الغزوة ظهور آيات باهرات، وكرامات لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

Shafi 275