ولكن ثمانية من هؤلاء الرسل يختفون فورا بعد ذكر أسمائهم في هذه القائمة، وهم: أندراوس، متى، برتلماوس، توما، يعقوب بن حلفي، يهوذا بن يعقوب (تداوس)، سمعان الغيور، متياس. وبذلك لا يبقى من الاثني عشر سوى بطرس، ويعقوب ويوحنا (ابني زبدي) وفيلبس. وبعد أن حكم الملك هيرود على يعقوب بن زبدي بالموت (أعمال، 12: 1-3)، لا يبقى من الرسل على مسرح أحداث سفر الأعمال سوى بطرس ويوحنا بن زبدي وفيليبس. وقد لعب هؤلاء دورا بارزا في الأعمال التنظيمية للكنيسة وفي التبشير داخل فلسطين وخارجها. ولا ندري متى وكيف انضم يعقوب الآخر الملقب بأخي الرب إلى هؤلاء، ولكن بولس في الرسالة إلى أهالي غلاطية يعده بين أعمدة كنيسة أورشليم، ويعدد أسماء هؤلاء الأعمدة على أنهم: يعقوب أخو الرب، وصفا (= بطرس)، ويوحنا (غلاطية، 2: 9. قارن مع غلاطية، 1: 19).
ومع اختفاء القسم الأعظم من رسل يسوع، يظهر في سفر أعمال الرسل تلاميذ جدد لم يروا يسوع، لعبوا الدور الأهم داخل كنيسة أورشليم وخارجها. من هؤلاء رجل قبرصي اسمه يوسف ولقبه الرسولي برنابا، أي ابن الوعظ، باع حقله وأتى بثمنه فألقاه عند أقدام الرسل (أعمال، 4: 36-37). وعندما زار بولس أورشليم بعد اهتدائه إلى المسيحية تفاداه الرسل غير مصدقين اهتداءه، ولكن برنابا رحب به وقدمه إلى التلاميذ ودافع عنه (أعمال، 9: 26-29). وبعد ذلك أوفد إلى أنطاكية من أجل التبشير فيها، ومن أنطاكية توجه إلى طرسوس في كيليكيا واجتمع ببولس ثم عاد الاثنان وعملا معا مدة سنة في أنطاكية (أعمال، 11: 22-26). ومن أنطاكية توجه الاثنان إلى قبرص.
ومن التلاميذ الجدد اسطفانوس (استيفانوس) الذي استفز اليهود بكرازته بيسوع، فجيء به إلى محكمة السنهورين. وعندما لم يجد دفاعه عن نفسه شيئا رفع صوته في وجه قضاته من اليهود قائلا: «يا غلاظ القلوب، ويا غلف القلوب والآذان ، ما زلتم تقاومون الروح القدس، وكما كان آباؤكم كذلك أنتم، أي نبي لم يضطهده آباؤكم؟ فقد قتلوا الذين أنبئوا بمجيء البار (يسوع المسيح) الذي أسلمتموه آنفا وقتلتموه. أنتم أخذتم الشريعة من يد الملائكة ولم تحفظوها» (أعمال، 7: 51-53). فأخرجوه خارج المدينة ورجموه حتى الموت.
ومن التلاميذ الجدد مرقس، واسمه الكامل يوحنا مرقس، الذي أوفد إلى أنطاكية حيث التحق ببولس وبرنابا (أعمال، 12: 24-25). ومن هناك سافر مع برنابا إلى قبرص، وبعد ذلك رافق بولس في عدد من رحلاته التبشيرية (كولوسي، 4: 10؛ وفيلمون: 24). ومنهم تيموثاوس وسيلا اللذان التحقا ببولس في أثينا (أعمال، 17: 14-15). وقد كانت أم تيموثاوس يهودية، أما أبوه فكان يونانيا. وقد آمن على يد بولس الذي تبناه كابن، وإليه وجه رسالته المعروفة بالرسالة إلى تيموثاوس. وبدءا من الإصحاح 16 في سفر الأعمال، يتفرغ كاتب السفر إلى إخبار بولس وحده.
والسؤال الذي نطرحه مجددا: أين اختفى رسل يسوع؟ وكيف حل محلهم في سفر الأعمال المخصص أصلا لأخبار الرسل، رسل لم يروا يسوع وكان بعضهم من اليهود اليونانيين؟
شخصية يسوع وطباعه
صحيح أننا لا نعرف شيئا عن شكل يسوع وهيئته وطول قامته ولون شعره وبشرته وعينيه. والسبب في ذلك لا يرجع إلى أن أحدا لم ير يسوع ليصفه لنا، على ما يقول من ينفي وجود يسوع كشخصية تاريخية، وإنما إلى التغيرات اللاهوتية المبكرة التي كانت تسير بشكل حثيث نحو تقديس هذا المعلم، وصرف الأنظار عن جانبه البشري. وهذا ما حصل من قبل لكثير من المعلمين الروحيين، لأن البشر لم يقبلوا حكمة الإنسان وفضلوا عليها حكمة تأتي من عالم الغيب، ولم ينصتوا لحكيم إلا بعد أن ألبسوه رداء القداسة ووضعوا في فمه كلام الآلهة.
ومع ذلك، فإن كل ما في الأناجيل يرسم لنا صورة واضحة المعالم عن يسوع الإنسان. فقد نشأ في أسرة جليلية متواضعة تضم سبعة أولاد؛ خمسة من الذكور، واثنتين من الإناث. وكان على معيلها الذي يعمل في مهنة النجارة أن يكدح من أجل إعالة تسعة أفواه، يساعده في ذلك ابنه البكر يسوع، وهذا ما أسبغ على يسوع لقب النجار الذي وصفه به إنجيل مرقس (6: 3). ويبدو أن يسوع قد حمل عبء إعالة الأسرة بعد وفاة أبيه يوسف، الذي لا نعثر له على ذكر في الأناجيل بعد القصة التي رواها لوقا عن رحلة العائلة المقدسة إلى أورشليم بمناسبة الفصح عندما كان يسوع في سن الثانية عشرة (لوقا، 2: 41-50).
وكأي إنسان طبيعي آخر فقد كان يسوع مقبلا على الحياة مستمتعا بلذائذها، يحب الطعام والخمر ويشارك في حفلات الأعراس البهيجة. وفي عرس قانا الذي دعي إليه مع تلاميذه، وبعد أن شرب المدعوون كل ما جاء به العريس من شراب وأرادوا المزيد، قام يسوع بتحويل ستة أجران من الماء إلى خمر سائغة (يوحنا، 2: 1-10). ولم يعرف عنه أنه رفض دعوة إلى مأدبة؛ حيث كان يتكئ ليأكل مع شتى شرائح الشعب. وفي إحدى المرات دعاه أحد العشارين من جباة الضرائب المتعاونين مع السلطة الرومانية فلبى الدعوة مع تلاميذه، وجلس معهم كثير من العشارين والخاطئين: «فلما رأى الكتبة من الفريسيين أنه يؤاكل الخاطئين والعشارين قالوا لتلاميذه: لم يؤاكل العشارين والخاطئين؟ فسمع يسوع كلامهم فقال لهم: ليس الأصحاء بحاجة إلى طبيب بل المرضى. ما جئت لأدعو الأبرار بل الخاطئين» (مرقس، 2: 13-17).
وفي مناسبة أخرى لم ينتظر يسوع دعوة أحد العشارين بل لقد دعا نفسه للإقامة عنده: «ثم دخل واجتاز أريحا. فإذا رجل من رؤساء العشارين اسمه زكا، وكان غنيا. فجاء يطلب أن يرى يسوع فلم يستطع لكثرة الزحام لأنه كان قصيرا. فأسرع إلى جميزة فصعدها ليراه، وكان لا بد ليسوع أن يمر بها. فلما وصل يسوع نظر إلى فوق فرآه وقال له: يا زكا، انزل على عجل لأني سأقيم عندك اليوم. فنزل على عجل وأضافه مسرورا» (لوقا، 19: 1-7).
Shafi da ba'a sani ba